سورة المنافقون
مدنيّة ، وهي احدى عشرة آية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) لبيان انّ المشهود به صدق ورفع توهّم رجوع التّكذيب الى المشهود قدّم هذا ثمّ قال (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) لعدم مطابقة المشهود به لما في قلوبهم (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) عن القتل والأسر وحفظوا بها دماءهم وأموالهم أو اتّخذوها جنّة عن شتم المسلمين ولومهم ، أو جنّة عن سوء ظنّ المسلمين بهم وفرارهم عنهم ، وقرئ ايمانهم بكسر الهمزة (فَصَدُّوا) منعوا أو اعرضوا (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) الّذى هو علىّ (ع) وولايته (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
اعلم ، انّ النّفاق عبارة عن إظهار ما لم تكن تعتقده مثل الّذين أظهروا الإسلام وباعوا البيعة النّبويّة من غير اعتقاد برسالة الرّسول (ص) أو مع الشّكّ في رسالته ، أو كانوا معتقدين ثمّ طرأ الشّكّ والإنكار ، هذا بحسب الظّاهر والاعتقاد وقد يعتبر النّفاق بحسب الأعمال الظّاهرة من غير موافقة الأحوال الباطنة وهذا نفاق قلّ من يخلو عنه من المسلمين ، فانّ الاذكار والأفعال الواقعة في الصّلوة كلّها عناوين وإظهار لاحوال النّفوس فانّ قول القائل بسم الله الرّحمن الرّحيم تعبير عن نفسه وانّه يسم نفسه بالعبادة فاذا لم يكن حاله موافقا لهذا التّعبير كان منافقا حالا ، وهكذا الحمد لله ربّ العالمين وهكذا ايّاك نعبد حصر للعبادة فيه وايّاك نستعين حصر للاستعانة فيه فلو كان حال القائل ذلك ان يرى موصوفا آخر أو يعتقد موصوفا آخر بالصّفات الحميدة أو كان له معبود آخر من الاهوية أو الاناسىّ ، أو كان نظره الى معين آخر والاستعانة بغير الله كان منافقا حالا ، وفعل الرّكوع تعبير عن نفسه بانّه خاشع لله بحيث دعا خشوعه له الى الانثناء ، وسجوده تعبير عن كمال خضوعه له تعالى فاذا لم يكن حاله على هذا المنوال كان منافقا ، وهكذا قنوته وسائر دعواته في أحوال الصّلوة ، وصيامه تعبير عن نفسه بانّه صام عن غير التذاذ بجمال الله والسّلوك اليه ، وزكوته كناية عن انّه في نقصان الانانيّة ، فلو لم ينقص من انانيّته بل كان في زكوته معجبا بنفسه رائيا عمله كان منافقا ، وقد ورد : ما زاد خشوع الجسد على خشوع القلب فهو من النّفاق (ذلِكَ) الكذب واتّخاذ الايمان جنّة والصّدّ أو الصّدود عن سبيل الله (بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) والكفر بعد الايمان أبلغ واشدّ من الكفر الاوّل ، وكفر النّفاق افضح (فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ) بحيث لم يبق فيها مدخل ومخرج للملك والنّور (فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) لا يدركون إدراكا اخرويّا مؤدّيا الى ادراك آخر (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ) بحسنها وتجمّلها بما يتجمّل بها وطراوتها ونضارتها (وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) لطلاقة لسانهم وحلاوة كلامهم وتسمع قام مقام القول اى يقل اسمع لقولهم (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) على الحائط في كونهم خالين عن الرّوح والعقل ، وفي عدم الانتفاع بهم بوجه آخر مثل الخشب المسنّدة الّتى ليست عمدا لسقف أو غيره (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) لعدم توكّلهم على ربّهم وجبنهم واتّهامهم في المسلمين (هُمُ الْعَدُوُّ) استيناف جواب سؤال مقدّر كأنّه قيل : فما شأنهم؟ وما نفعل بهم؟ ـ فقال : هم الكاملون في العداوة