ومن بديع النظم وإعجازه إيثار كلمات «العاديات وضبحا والموريات وقدحا ، والمغيرات وصبحا ، ووسطن وجمعا» دون غيرها لأنها برشقاتها تتحمل أن يكون المقسم به خيل الغزو ورواحل الحج.
وعطفت هذه الأوصاف الثلاثة الأولى بالفاء لأن أسلوب العرب في عطف الصفات وعطف الأمكنة أن يكون بالفاء وهي للتعقيب ، والأكثر أن تكون لتعقيب الحصول كما في هذه الآية ، وكما في قول ابن زيّابة :
يا لهف زيّابة للحارث الصّ |
|
ابح فالغانم فالآئب (١) |
وقد يكون لمجرد تعقيب الذّكر كما في سورة الصافات.
والفاء العاطفة لقوله : (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) عاطفة على وصف «المغيرات». والمعطوف بها من آثار وصف المغيرات. وليست عاطفة على صفة مستقلة مثل الصفات الثلاث التي قبلها لأن إثارة النقع وتوسط الجمع من آثار الإغارة صبحا ، وليسا مقسما بهما أصالة وإنما القسم بالأوصاف الثلاثة الأولى.
فلذلك غير الأسلوب في قوله : (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) فجيء بهما فعلين ماضيين ولم يأتيا على نسق الأوصاف قبلهما بصيغة اسم الفاعل للإشارة إلى أن الكلام انتقل من القسم إلى الحكاية عن حصول ما ترتّب على تلك الأوصاف الثلاثة ما قصد منها من الظفر بالمطلوب الذي لأجله كان العدو والإيراء والإغارة عقبه وهي الحلول بدار القوم الذين غزوهم إذا كان المراد ب (الْعادِياتِ) الخيل ، أو بلوغ تمام الحج بالدفع عن عرفة إذا كان المراد ب (الْعادِياتِ) رواحل الحجيج ، فإن إثارة النقع يشعرون بها عند الوصول حين تقف الخيل والإبل دفعة ، فتثير أرجلها نقعا شديدا فيما بينهما ، وحينئذ تتوسطن الجمع من الناس. وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون المراد بقوله : (جَمْعاً) اسم المزدلفة حيث المشعر الحرام.
ومناسبة القسم بهذه الموصوفات دون غيرها إن أريد رواحل الحجيج وهو الوجه الذي فسر به علي بن أبي طالب هو أن يصدّق المشركون بوقوع المقسم عليه لأن القسم بشعائر الحج لا يكون إلا بارا حيث هم لا يصدقون بأن القرآن كلام الله ويزعمونه قول
__________________
(١) يعني : زيابة أمه. واسمه سلمة بن ذهل التّيمي. والحارث هو ابن همام الشيباني الذي هدد ابن زيابة فأجابه ابن زيابة متهكما.