وأدمج في هذا الاستدلال امتنان على الإنسان بما وهبه من وسائل العيش المستقيم.
ويجوز أن تكون الهداية هداية العقل للتفكير في دلائل وجود الله ووحدانيته بحيث لو تأمل لعرف وحدانية الله تعالى فيكون هذا دليلا على سبب مؤاخذة أهل الشرك والتعطيل بكفرهم في أزمان الخلو عن إرسال الرسل على أحد القولين في ذلك بين الأشاعرة من جهة ، وبين الماتريدية والمعتزلة من جهة أخرى.
[١١ ـ ١٧] (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧))
يجوز أن يكون (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) تفريع إدماج بمناسبة قوله : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد : ١٠] أي هديناه الطريقين فلم يسلك النجد الموصّل إلى الخير.
ويجوز أن يكون تفريعا على جملة (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) [البلد : ٦] وما بينهما اعتراضا ، وتكون «لا اقتحم العقبة» استفهاما حذف منه أداته. وهو استفهام إنكار ، والمعنى : أنه يدعي إهلاك مال كثير في الفساد من ميسر وخمر ونحو ذلك أفلا أهلكه في القرب والفضائل بفكّ الرقاب وإطعام المساكين في زمن المجاعة فإن الإنفاق في ذلك لا يخفى على الناس خلافا لما يدعيه من إنفاق.
وعلى هذا الوجه لا يعرض الإشكال بعدم تكرّر (لا) فإن شأن (لا) النافية إذا دخلت على فعل المضي ولم تتكرر أن تكون للدّعاء إلّا إذا تكررت معها مثلها معطوفة عليها نحو قوله : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) [القيامة : ٣١] أو كانت (لا) معطوفة على نفي نحو : ما خرجت ولا ركبت. فهو في حكم تكرير (لا). وقد جاءت هنا نافية في غير دعاء ، ولم تتكرر استغناء عن تكريرها بكون ما بعدها وهو (اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) يتضمن شيئين جاء بيانهما في قوله : (فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ) فكأنه قال : فلا فكّ رقبة ولا أطعم يتيما أو مسكينا. ويجوز أن يكون عدم تكرير (لا) هنا استغناء بقوله : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) فكأنه قيل : فلا اقتحم العقبة ولا آمن. ويظهر أن كل ما يصرف عن التباس الكلام كاف عن تكرير (لا) كالاستثناء في قول الحريري في «المقامة الثلاثين» : «لا عقد هذا العقد المبجل في هذا اليوم الأغر المحجّل إلا الذي جال وجاب» إلخ وأطلق (الْعَقَبَةَ) على العمل الموصل للخير لأن عقبة النجد أعلى موضع فيه. ولكل نجد عقبة ينتهي بها. وفي العقبات تظهر