الذي ينبت به المرعى فتنتفع به الدواب والأنعام ، وإلى أن هذه الشريعة تكمل ويبلغ ما أراد الله فيها كما يكمل المرعى ويبلغ نضجه حين يصير غثاء أحوى ، على طريقة تمثيلية مكنية رمز إليها بذكر لازم الغيث وهو المرعى. وقد جاء بيان هذا الإيماء وتفصيله بقول النبيصلىاللهعليهوسلم : «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقيّة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا» الحديث.
ويجوز أن يكون المقصود من جملة : (فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) إدماج العبرة بتصاريف ما أودع الله في المخلوقات من مختلف الأطوار من الشيء إلى ضده للتذكير بالفناء بعد الحياة كما قال تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) [الروم : ٥٤] للإشارة إلى أن مدة نضارة الحياة للأشياء تشبه المدة القصيرة ، فاستعير لعطف جعله (غُثاءً) الحرف الموضوع لعطف ما يحصل فيه حكم المعطوف بعد زمن قريب من زمن حصول المعطوف عليه ، ويكون ذلك من قبيل قوله تعالى : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ) إلى قوله : (فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) [يونس : ٢٤].
[٦ ، ٧] (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (٧))
قد عرفت أن الأمر بالتسبيح في قوله : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [الأعلى : ١] بشارة إجمالية للنبي صلىاللهعليهوسلم بخير يحصل له ، فهذا موقع البيان الصريح بوعده بأنه سيعصمه من نسيان ما يقرئه فيبلّغه كما أوحي إليه ويحفظه من التفلت عليه ، ولهذا تكون هذه الجملة استئنافا بيانيا لأن البشارة تنشئ في نفس النبي صلىاللهعليهوسلم ترقبا لوعد بخير يأتيه فبشره بأنه سيزيده من الوحي ، مع ما فرّع على قوله : (سَنُقْرِئُكَ) من قوله : (فَلا تَنْسى).
وإذ قد كانت هذه السورة من أوائل السور نزولا. وقد ثبت في الصحيح عن ابن عباس : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يعالج من التنزيل شدة إذا نزل جبريل ، وكان ممّا يحرك شفتيه ولسانه ، يريد أن يحفظه ويخشى أن يتفلت عليه فقيل له : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) [القيامة : ١٦ ، ١٧] ، إنّ علينا أن نجمعه في صدرك وقرآنه أن تقرأه : (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) [القيامة : ١٨]. يقول : إذا أنزل عليك فاستمع ، قال : فكان إذا أتاه