[٧ ، ٨] (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨))
تفريع على قوله : (لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) [الزلزلة : ٦] تفريع الفذلكة ، انتقالا للترغيب والترهيب بعد الفراغ من إثبات البعث والجزاء ، والتفريع قاض بأن هذا يكون عقب ما يصدر الناس أشتاتا.
والمثقال : ما يعرف به ثقل الشيء ، وهو ما يقدّر به الوزن وهو كميزان زنة ومعنى.
والذّرة : النملة الصغيرة في ابتداء حياتها.
و (مِثْقالَ ذَرَّةٍ) مثل في أقل القلة وذلك للمؤمنين ظاهر وبالنسبة إلى الكافرين فالمقصود ما عملوا من شر ، وأما بالنسبة إلى أعمالهم من الخير فهي كالعدم فلا توصف بخير عند الله لأن عمل الخير مشروط بالإيمان قال تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) [النور : ٣٩].
وإنما أعيد قوله : (وَمَنْ يَعْمَلْ) دون الاكتفاء بحرف العطف لتكون كل جملة مستقلة الدلالة على المراد لتختص كل جملة بغرضها من الترغيب أو الترهيب فأهمية ذلك تقتضي التصريح والإطناب.
وهذه الآية معدودة من جوامع الكلم وقد وصفها النبي صلىاللهعليهوسلم بالجامعة الفاذة ففي «الموطأ» أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «الخيل لثلاثة» الحديث. فسئل عن الحمر فقال : لم ينزل عليّ فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذّة : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) وعن عبد الله بن مسعود أنه قال : هذه أحكم آية في القرآن ، وقال الحسن : قدم صعصعة بن ناجية جد الفرزدق على النبي صلىاللهعليهوسلم يستقرئ النبي القرآن فقرأ عليه هذه الآية فقال صعصعة : حسبي فقد انتهت الموعظة لا أبالي أن لا أسمع من القرآن غيرها. وقال كعب الأحبار : «لقد أنزل الله على محمد آيتين أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)
وإذ قد كان الكلام مسوقا للترغيب والترهيب معا أوثر جانب الترغيب بالتقديم في التقسيم تنويها بأهل الخير.