فافتتحت بحرف الردع والتنبيه ، وجيء بعده بحرف (ثُمَ) الدال على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول. وكرر حرف الردع والتنبيه ، وحذف جواب (لَوْ تَعْلَمُونَ) [التكاثر : ٥] لما في حذفه من مبالغة التهويل ، وأتي بلام القسم لتوكيد الوعيد. وأكد هذا القسم بقسم آخر ، فهذه ستة وجوه.
وأقول زيادة على ذلك : إن في قوله : (عَيْنَ الْيَقِينِ) تأكيدين للرؤية بأنها يقين وأن اليقين حقيقة. والقول في إضافة (عَيْنَ الْيَقِينِ) كالقول في إضافة (عِلْمَ الْيَقِينِ) [التكاثر : ٥] المذكور آنفا.
(ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨))
أعقب التوبيخ والوعيد على لهوهم بالتكاثر عن النظر في دعوة الإسلام من حيث إن التكاثر صدهم عن قبول ما ينجيهم ، بتهديد وتخويف من مؤاخذتهم على ما في التكاثر من نعيم تمتعوا به في الدنيا ولم يشكروا الله عليه بقوله تعالى : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) ، أي عن النعيم الذي خولتموه في الدنيا فلم تشكروا الله عليه وكان به بطركم.
وعطف هذا الكلام بحرف (ثُمَ) الدال على التراخي الرتبي في عطفه الجمل من أجل أن الحساب على النعيم الذي هو نعمة من الله أشدّ عليهم لأنهم ما كانوا يترقبونه ، لأن تلبسهم بالإشراك وهم في نعيم أشد كفرانا للذي أنعم عليهم.
و (النَّعِيمِ) : اسم لما يلذّ لإنسان مما ليس ملازما له ، فالصحة وسلامة الحواس وسلامة الإدراك والنوم واليقظة ليست من النعيم ، وشرب الماء وأكل الطعام والتلذّذ بالمسموعات وبما فيه فخر وبرؤية المحاسن ، تعد من النعيم.
والنعيم أخص من النعمة بكسر النون ومرادف للنّعمة بفتح النون.
وتقدم النعيم عند قوله تعالى : (لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ) في سورة براءة [٢١].
والخطاب موجه إلى المشركين على نسق الخطابات السابقة.
والجملة المضاف إليها (إذ) من قوله : (يَوْمَئِذٍ) محذوفة دل عليها قوله : (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) [التكاثر : ٦] أي يوم إذ ترون الجحيم فيغلظ عليكم العذاب.
وهذا السؤال عن النعيم الموجه إلى المشركين هو غير السؤال الذي يسأله كل منعم عليه فيما صرف فيه النعمة ، فإن النعمة لما لم تكن خاصة بالمشركين خلافا للتكاثر كان