أحد من المخالطين لوظيفه أن يموّه عليه شيئا ، أو أن يلبس عليه حقيقة بحيث ينتفي عنه الغلط والخطأ في تمييز الأمور بأقصى ما يمكن ، ويختلف العلم المطلوب باختلاف الأعمال فيقدم في كل ولاية من هو أعلم بما تقتضيه ولايته من الأعمال وما تتوقف عليه من المواهب والدراية ، فليس ما يشترط في القاضي يشترط في أمير الجيش مثلا ، وبمقدار التفاوت في الخصال التي تقتضيها إحدى الولايات يكون ترجيح من تسند إليه الولاية على غيره حرصا على حفظ مصالح الأمة ، فيقدم في كل ولاية من هو أقوى كفاءة لإتقان أعمالها وأشدّ اضطلاعا بممارستها.
[١٣ ـ ١٦] (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦))
فصلت هذه الجملة عن التي قبلها لأنها استئناف بياني جواب عن سؤال يخطر في نفس السامع يثيره قوله : (بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ* وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) [الانفطار : ٩ ، ١٠] الآية لتشوف النفس إلى معرفة هذا الجزاء ما هو ، وإلى معرفة غاية إقامة الملائكة لإحصاء الأعمال ما هي ، فبين ذلك بقوله : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) الآية.
وأيضا تتضمن هذه الجملة تقسيم أصحاب الأعمال فهي تفصيل لجملة (يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) [الانفطار : ١٢] وذلك من مقتضيات فصل الجملة عن التي قبلها.
وجيء بالكلام مؤكدا ب (إِنَ) ولا الابتداء ليساوي البيان مبيّنه في التحقيق ودفع الإنكار.
وكرر التأكيد مع الجملة المعطوفة للاهتمام بتحقيق كونهم في جحيم لا يطمعوا في مفارقته.
و (الْأَبْرارَ) : جمع برّ بفتح الباء وهو التقيّ ، وهو فعل بمعنى فاعل مشتق من برّ يبر ، ولفعل برّ اسم مصدر هو برّ بكسر الباء ولا يعرف له مصدر قياسيّ بفتح الباء كأنهم أماتوه لئلا يلتبس بالبرّ وهو التقيّ. وإنما سمي التقيّ برّا لأنه برّ ربه ، أي صدقه ووفى له بما عهد له من الأمر بالتقوى.
و (الْفُجَّارَ) : جمع فاجر ، وصيغة فعّال تطّرد في تكسير فاعل المذكر الصحيح اللام.