وروي ذلك عن مالك في تفسير الآية وقال : لم يبلغني فيه شيء.
وأخذوا من وقوع الأمر بالنحر بعد الأمر بالصلاة دلالة على أن الضحية تكون بعد الصلاة ، وعليه فالأمر بالنحر دون الذبح مع أن الضّأن أفضل في الضحايا وهي لا تنحر وأن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يضحّ إلا بالضأن تغليب للفظ النحر وهو الذي روعي في تسمية يوم الأضحى يوم النحر وليشمل الضحايا في البدن والهدايا في الحج أو ليشمل الهدايا التي عطل إرسالها في يوم الحديبية كما علمت آنفا. ويرشح إيثار النحر رعي فاصلة الراء في السورة. وللمفسرين الأولين أقوال أخر في تفسير «انحر» تجعله لفظا غريبا.
(إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣))
استئناف يجوز أن يكون استئنافا ابتدائيا. ويجوز أن تكون الجملة تعليلا لحرف (إِنَ) إذا لم يكن لرد الإنكار يكثر أن يفيد التعليل كما تقدم عند قوله تعالى : (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) في سورة البقرة [٣٢].
واشتمال الكلام على صيغة قصر وعلى ضمير غائب وعلى لفظ الأبتر مؤذن بأن المقصود به ردّ كلام صادر من معيّن ، وحكاية لفظ مراد بالرد ، قال الواحدي : قال ابن عباس : إن العاصي بن وائل السهمي رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في المسجد الحرام عند باب بني سهم فتحدث معه وأناس من صناديد قريش في المسجد فلما دخل العاصي عليهم قالوا له : من الذي كنت تتحدث معه فقال : ذلك الأبتر ، وكان قد توفّي قبل ذلك عبد الله ابن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد أن مات ابنه القاسم قبل عبد الله فانقطع بموت عبد الله الذكور من ولدهصلىاللهعليهوسلم يومئذ ، وكانوا يصفون من ليس له ابن بأبتر فأنزل الله هذه السورة ، فحصل القصر في قوله (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) لأن ضمير الفصل يفيد قصر صفة الأبتر على الموصوف وهو شانئ النبي صلىاللهعليهوسلم ، قصر المسند على المسند إليه ، وهو قصر قلب ، أي هو الأبتر لا أنت.
و (الْأَبْتَرُ) : حقيقته المقطوع بعضه وغلب على المقطوع ذنبه من الدواب ويستعار لمن نقص منه ما هو من الخير في نظر الناس تشبيها بالدّابة المقطوع ذنبها تشبيه معقول بمحسوس كما في الحديث : «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر» يقال : بتر شيئا إذا قطع بعضه وبتر بالكسر كفرح فهو أبتر ، ويقال للذي لا عقب له ذكورا ، هو أبتر على الاستعارة تشبيه متخيل بمحسوس شبهوه بالدابة المقطوع ذنبها لأنه قطع أثره في تخيّل