عذاب يكون حاصلا لهم كما في قوله تعالى : (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) [النحل : ٨٨].
ويجوز أن تكون زيادة من نوع ما هم فيه من العذاب بتكريره في المستقبل.
والمعنى : فسنزيدكم عذابا زيادة مستمرة في أزمنة المستقبل ، فصيغ التعبير عن هذا المعنى بهذا التركيب الدقيق ، إذ ابتدئ بنفي الزيادة بحرف تأبيد النفي وأردف الاستثناء المقتضي ثبوت نقيض حكم المستثنى منه للمستثنى فصارت دلالة الاستثناء على معنى : سنزيدكم عذابا مؤبدا. وهذا من تأكيد الشيء بما يشبه ضده وهو أسلوب طريف من التأكيد إذ ليس فيه إعادة لفظ فإن زيادة العذاب تأكيد للعذاب الحاصل.
ولما كان المقصود الوعيد بزيادة العذاب في المستقبل جيء في أسلوب نفيه بحرف نفي المستقبل ، وهو (لن) المفيد تأكيد النسبة المنفية وهي ما دلّ عليه مجموع النفي والاستثناء ، فإن قيد تأبيد نفي الزيادة الذي يفيده حرف (لن) في جانب المستثنى منه يسري إلى إثبات زيادة العذاب في جانب المستثنى ، فيكون معنى جملة الاستثناء : سنزيدكم عذابا أبدا ، وهو معنى الخلود في العذاب. وفي هذا الأسلوب ابتداء مطمع بانتهاء مؤيس وذلك أشد حزنا وغما بما يوهمهم أن ما ألقوا فيه هو منتهى التعذيب حتى إذا ولج ذلك أسماعهم فحزنوا له ، أتبع بأنهم ينتظرهم عذاب آخر أشدّ ، فكان ذلك حزنا فوق حزن ، فهذا منوال هذا النظم وهو مؤذن بشدة الغضب.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص وأبي برزة الأسلمي وأبي هريرة : أن هذه الآية أشدّ ما نزل في أهل النار ، وقد أسند هذا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم من حديث عن أبي برزة الأسلمي. قال : «سألت النبي صلىاللهعليهوسلم عن أشدّ آية في كتاب الله على أهل النار؟ فقال : قول الله تعالى : (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) وفي سنده جسر بن فرقد وهو ضعيف جدا. وفي «ابن عطية» : أن أبا هريرة رواه عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولم يذكر ابن عطية سنده ، وتعدد طرقه يكسبه قوة.
[٣١ ـ ٣٦] (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (٣١) حَدائِقَ وَأَعْناباً (٣٢) وَكَواعِبَ أَتْراباً (٣٣) وَكَأْساً دِهاقاً (٣٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (٣٥) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (٣٦))
جرى هذا الانتقال على عادة القرآن في تعقيب الإنذار للمنذرين بتبشير من هم أهل للتبشير.