وجملة : (وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ) عطف على جملة (مَا الْقارِعَةُ)
والخطاب في (أَدْراكَ) لغير معين ، أي وما أدراك أيها السامع.
وتقدم نظير هذا عند قوله تعالى : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) [الحاقة : ١ ـ ٣] وتقدم بعضه عند قوله تعالى : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) في سورة الانفطار [١٧].
[٤ ، ٥] (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥))
(يَوْمَ) مفعول فيه منصوب بفعل مضمر دل عليه وصف القارعة لأنه في تقدير : تقرع ، أو دل عليه الكلام كله فيقدر : تكون ، أو تحصل ، يوم يكون الناس كالفراش.
وجملة : (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ) مع متعلقها المحذوف بيان للإبهامين اللذين في قوله : (مَا الْقارِعَةُ) [القارعة : ٢] وقوله : (وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ) [القارعة : ٣].
وليس قوله : (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ) خبرا عن (الْقارِعَةُ) إذ ليس سياق الكلام لتعيين يوم وقوع القارعة.
والمقصود بهذا التوقيت زيادة التهويل بما أضيف إليه (يَوْمَ) من الجملتين المفيدتين أحوالا هائلة ، إلا أن شأن التوقيت أن يكون بزمان معلوم ، وإذ قد كان هذا الحال الموقت بزمانه غير معلوم مداه. كان التوقيت له إطماعا في تعيين وقت حصوله إذ كانوا يسألون متى هذا الوعد ، ثم توقيته بما هو مجهول لهم إبهاما آخر للتهويل والتحذير من مفاجأته ، وأبرز في صورة التوقيت للتشويق إلى البحث عن تقديره ، فإذا باء الباحث بالعجز عن أخذ بحيطة الاستعداد لحلوله بما ينجيه من مصائبه التي قرعت به الأسماع في آي كثيرة.
فحصل في هذه الآية تهويل شديد بثمانية طرق : وهي الابتداء باسم القارعة ، المؤذن بأمر عظيم ، والاستفهام المستعمل في التهويل ، والإظهار في مقام الإضمار أول مرة ، والاستفهام عما ينبئ بكنه القارعة ، وتوجيه الخطاب إلى غير معين ، والإظهار في مقام الإضمار ثاني مرة ، والتوقيت بزمان مجهول حصوله وتعريف ذلك الوقت بأحوال مهولة.
والفراش : فرخ الجراد حين يخرج من بيضه من الأرض يركب بعضه بعضا وهو ما في قوله تعالى : (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) [القمر : ٧]. وقد يطلق الفراش على ما يطير من الحشرات ويتساقط على النار ليلا وهو إطلاق آخر لا يناسب تفسير لفظ