وتعدية (بَصِيراً) بالباء لأنه من بصر القاصر بضم الصاد به إذا رآه رؤية محققة ، فالباء فيه معناها الملابسة أو الإلصاق.
وفيه إشارة إلى حكمة البعث للجزاء لأن رب الناس عليم بأحوالهم فمنهم المصلح ومنهم المفسد والكل متفاوتون في ذلك فليس من الحكمة أن يذهب المفسد بفساده وما ألحقه بالموجودات من مضار وأن يهمل صلاح المصلح ، فجعل الله الحياة الأبدية وجعلها للجزاء على ما قدّم صاحبها في حياته الأولى.
وأطلق البصر هنا على العلم التام بالشيء.
وعلق وصف (بصير) بضمير الإنسان الذي ظن أن لن يحور ، والمراد : العلم بأحواله لا بذاته.
وتقديم المجرور على متعلّقه للاهتمام بهذا المجرور أي بصير به لا محالة مع مراعاة الفواصل.
[١٦ ـ ١٩] (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩))
الفاء لتفريع القسم وجوابه ، على التفصيل الذي في قوله : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) [الانشقاق : ٧] إلى هنا : فإنه اقتضى أن ثمة حسابا وجزاء بخير وشر فكان هذا التفريع فذلكة وحوصلة لما فصل من الأحوال وكان أيضا جمعا إجماليا لما يعترض في ذلك من الأهوال.
وتقدم أن : «لا أقسم» يراد منه أقسم ، وتقدم وجه القسم بهذه الأحوال والمخلوقات عند قوله : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ) في سورة التكوير [١٥].
ومناسبة الأمور المقسم بها هنا للمقسم عليه لأنّ الشفق والليل والقمر تخالط أحوالا بين الظلمة وظهور النور معها ، أو في خلالها ، وذلك مناسب لما في قوله : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) من تفاوت الأحوال التي يختبط فيها الناس يوم القيامة أو في حياتهم الدنيا ، أو من ظهور أحوال خير من خلال أحوال شرّ أو انتظار تغير الأحوال إلى ما يرضيهم إن كان الخطاب للمسلمين خاصة كما سيأتي.
ولعل ذكر الشفق إيماء إلى أنه يشبه حالة انتهاء الدنيا لأن غروب الشمس مثل حالة