والكلام وإن كان إخبارا عنهم فإنهم المقصودون به فالردع موجه إليهم بهذا الاعتبار.
والمعنى : إبطال الاختلاف في ذلك النبأ وإنكار التساؤل عنه ذلك التساؤل الذي أرادوا به الاستهزاء وإنكار الوقوع ، وذلك يثبت وقوع ما جاء به النبأ وأنه حق لأن إبطال إنكار وقوعه يفضي إلى إثبات وقوعه.
والغالب في استعمال (كَلَّا) أن تعقّب بكلام يبيّن ما أجملته من الردع والإبطال فلذلك عقبت هنا بقوله : (سَيَعْلَمُونَ) وهو زيادة في إبطال كلامهم بتحقيق أنهم سيوقنون بوقوعه ويعاقبون على إنكاره ، فهما علمان يحصلان لهم بعد الموت : علم بحق وقوع البعث ، وعلم في العقاب عليه.
ولذلك حذف مفعول (سَيَعْلَمُونَ) ليعمّ المعلومين فإنهم عند الموت يرون ما سيصيرون إليه فقد جاء في الحديث الصحيح «إن الكافر يرى مقعده فيقال له هذا مقعدك حتى تبعث» ، وفي الحديث : «القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار» وذلك من مشاهد روح المقبور وهي من المكاشفات الروحية وفسر بها قوله تعالى : (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) [التكاثر : ٦ ، ٧].
فتضمن هذا الإبطال وما بعده إعلاما بأن يوم البعث واقع ، وتضمن وعيدا وقد وقع تأكيده بحرف الاستقبال الذي شأنه إفادة تقريب المستقبل.
ومن محاسن هذا الأسلوب في الوعيد أن فيه إيهاما بأنهم سيعلمون جواب سؤالهم الذي أرادوا به الإحالة والتهكم ، وصوروه في صورة طلب الجواب فهذا الجواب من باب قول الناس : الجواب ما ترى لا ما تسمع.
(ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٥))
ارتقاء في الوعيد والتهديد فإن (ثُمَ) لما عطفت الجملة فهي للترتيب الرتبي ، وهو أن مدلول الجملة التي بعدها أرقى رتبة في الغرض من مضمون الجملة التي قبلها ، ولما كانت الجملة التي بعد (ثُمَ) مثل الجملة التي قبل (ثُمَ) تعيّن أن يكون مضمون الجملة التي بعد (ثُمَ) أرقى درجة من مضمون نظيرها. ومعنى ارتقاء الرتبة أن مضمون ما بعد (ثُمَ) أقوى من مضمون الجملة التي قبل (ثُمَ) ، وهذا المضمون هو الوعيد ، فلما استفيد تحقيق وقوع المتوعد به بما أفاده التوكيد اللفظي إذ الجملة التي بعد (ثُمَ) أكدت الجملة