على نية النيابة عمن لا يحسن أن يعوذ نفسه بنفسه بتلك الكلمات لعجز أو صغر أو عدم حفظ.
والعوذ : اللجأ إلى شيء يقي من يلجأ إليه ما يخافه ، يقال : عاذ بفلان ، وعاذ بحصن ، ويقال : استعاذ ، إذا سأل غيره أن يعيذه قال تعالى : (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأعراف : ٢٠٠]. وعاذ من كذا ، إذا صار إلى ما يعيذه منه قال تعالى : (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) [النحل : ٩٨].
و (الْفَلَقِ) : الصبح ، وهو فعل بمعنى مفعول مثل الصّمد لأن الليل شبه بشيء مغلق ينفلق عن الصبح ، وحقيقة الفلق : الانشقاق عن باطن شيء ، واستعير لظهور الصبح بعد ظلمة الليل ، وهذا مثل استعارة الإخراج لظهور النور بعد الظلام في قوله تعالى : (وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها) [النازعات : ٢٩] ، واستعارة السلخ له في قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) [يس : ٣٧].
وربّ الفلق : هو الله ، لأنه الذي خلق أسباب ظهور الصبح ، وتخصيص وصف الله بأنه رب الفلق دون وصف آخر لأن شرا كثيرا يحدث في الليل من لصوص ، وسباع ، وذوات سموم ، وتعذر السير ، وعسر النجدة ، وبعد الاستغاثة واشتداد آلام المرضى ، حتى ظن بعض أهل الضلالة الليل إله الشر.
والمعنى : أعوذ بفالق الصبح منجاة من شرور الليل ، فإنه قادر على أن ينجيني في الليل من الشر كما أنجى أهل الأرض كلهم بأن خلق لهم الصبح ، فوصف الله بالصفة التي فيها تمهيد للإجابة.
(وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (٣))
عطف أشياء خاصة هي ممّا شمله عموم (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) [الفلق : ٢] ، وهي ثلاثة أنواع من أنواع الشرور :
أحدها : وقت يغلب وقوع الشر فيه وهو الليل.
والثاني : صنف من الناس أقيمت صناعتهم على إرادة الشر بالغير.
والثالث : صنف من الناس ذو خلق من شأنه أن يبعث على إلحاق الأذى بمن تعلق به.