الدائمان ، ومن الناس من يطلب ما فيه عاجل النفع والكمال الزائف ، فالأول قد نجح فيما طلبه فهو مفلح ، والثاني يحصّل نفعا عارضا زائلا وكمالا موقتا ينقلب انحطاطا فذلك لم ينجح فيما طلبه فهو خائب ، وقد عبر عن ذلك هنا بالفلاح والخيبة كما عبر عنه في مواضع أخر بالربح والخسارة.
والمقصود هنا الفلاح في الآخرة والخيبة فيها.
وفي هذه الآيات محسّن الطباق غير مرّة فقد ذكرت أشياء متقابلة متضادة مثل الشمس والقمر لاختلاف وقت ظهورهما ، ومثل النهار والليل ، والتجلية والغشي ، والسماء والأرض ، والبناء والطحو ، والفجور والتقوى ، والفلاح والخيبة ، والتزكية والتدسية.
[١١ ـ ١٥] (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤) وَلا يَخافُ عُقْباها (١٥))
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها ١١ إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها ١٢ فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها ١٣ فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها)
إن كانت جملة (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) [الشمس : ٩] إلخ معترضة كانت هذه جوابا للقسم باعتبار ما فرع عليها بقوله : (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ) أي حقا لقد كان ذلك لذلك ، ولام الجواب محذوف تخفيفا لاستطالة القسم ، وقد مثلوا لحذف اللام بهذه الآية وهو نظير قوله تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) إلى قوله : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) [البروج : ١ ـ ٤].
والمقصود : التعريض بتهديد المشركين الذين كذّبوا الرسول طغيانا هم يعلمونه من أنفسهم كما كذبت ثمود رسولهم طغيانا ، وذلك هو المحتاج إلى التأكيد بالقسم لأن المشركين لم يهتدوا إلى أن ما حل بثمود من الاستئصال كان لأجل تكذيبهم رسول الله إليهم ، فنبههم الله بهذا ليتدبروا أو لتنزيل علم من علم ذلك منهم منزلة الإنكار لعدم جري أمرهم على موجب العلم ، فكأنه قيل : أقسم ليصيبكم عذاب كما أصاب ثمود ، ولقد أصاب المشركين عذاب السيف بأيدي الذين عادوهم وآذوهم وأخرجوهم ، وذلك أقسى عليهم وأنكى.