ولهذا تكرر ذكر ظهور الملك بالأفق في سورة النجم [٥ ـ ٩] في قوله تعالى : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) إلى أن قال : (أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) [النجم : ١٢ ـ ١٥] الآيات ، قيل : رأى النبي جبريل عليهماالسلام بمكة من جهة جبل أجياد من شرقيّه.
(وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤))
الضمير عائد إلى (صاحِبُكُمْ) [التكوير : ٢٢] كما يقتضيه السياق فإن المشركين لم يدّعوا أن جبريل ضنين على الغيب ، وإنما ادعوا ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم ظلما وزورا ، ولقرب المعاد.
و (الْغَيْبِ) : ما غاب عن عيان الناس ، أو عن علمهم وهو تسمية بالمصدر. والمراد ما استأثر الله بعلمه إلا أن يطلع عليه بعض أنبيائه ، ومنه وحي الشرائع ، والعلم بصفات الله تعالى وشئونه ، ومشاهدة ملك الوحي ، وتقدم في قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) في سورة البقرة [٣].
وكتبت كلمة (بِضَنِينٍ) في مصاحف الأمصار بضاد ساقطة كما اتفق عليه القراء.
وحكي عن أبي عبيد ، قال الطبري : هو ما عليه مصاحف المسلمين متفقة وإن اختلفت قراءتهم به.
وفي «الكشاف» : «هو في مصحف أبي بالضاد وفي مصحف ابن مسعود بالظاء» وقد اقتصر الشاطبي في منظومته في الرسم على رسمه بالضاد إذ قال :
والضاد في (بِضَنِينٍ) تجمع البشر
وقد اختلف القراء في قراءته فقرأه نافع وابن عامر وعاصم وحمزة وأبو جعفر وخلف وروح عن يعقوب بالضاد الساقطة التي تخرج من حافة اللسان مما يلي الأضراس وهي القراءة الموافقة لرسم المصحف الإمام.
وقرأه الباقون بالظاء المشالة التي تخرج من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا ، وذكر في «الكشاف» أن النبي صلىاللهعليهوسلم قرأ بهما ، وذلك مما لا يحتاج إلى التنبيه ، لأن القراءتين ما كانتا متواترتين إلا وقد رويتا عن النبي صلىاللهعليهوسلم.