(مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣))
(المتاع) يطلق على ما ينتفع به مدة ، ففيه معنى التأجيل ، وتقدم عند قوله (وَأَمْتِعَتِكُمْ) في سورة النساء [١٠٢] ، وهو هنا اسم مصدر متّع ، أي إعطاء للانتفاع زمانا ، وتقدم بيانه عند قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) في سورة الأعراف [٢٤].
وانتصب (مَتاعاً) على النيابة عن الفعل. والتقدير : متّعناكم متاعا.
ولام (لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) لام التقوية لأن المصدر فرع في العمل عن الفعل ، وهو راجع إلى خلق الأرض والجبال ، وذلك في الأرض ظاهر ، وأما الجبال فلأنها معتصمهم من عدوّهم ، وفيها مراعي أنعامهم تكون في الجبال مأمونة من الغارة عليها على غرة. وهذا إدماج الامتنان في الاستدلال لإثارة شكرهم حق النعمة بأن يعبدوا المنعم وحده ولا يشركوا بعبادته غيره.
وفي قوله : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) [النازعات : ٣٠] إلى (وَلِأَنْعامِكُمْ) محسّن الجمع ثم التقسيم.
[٣٤ ـ ٤١] (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (٣٦) فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (٤١))
يجوز أن يكون التفريع على الاستدلال الذي تضمنه قوله : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ) [النازعات : ٢٧] الآيات ، فإن إثبات البعث يقتضي الجزاء إذ هو حكمته. وإذا اقتضى الجزاء كان على العاقل أن يعمل لجزاء الحسنى ويجتنب ما يوقع في الشقاء وأن يهتم بالحياة الدائمة فيؤثرها ولا يكترث بنعيم زائل فيتورط في اتباعه ، فلذلك فرع على دليل إثبات البعث تذكير بالجزاءين ، وإرشاد إلى النجدين.
وإذ قد قدّم قبل الاستدلال تحذير إجماليّ بقوله : (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) [النازعات : ٦] الآية كما يذكر المطلوب قبل القياس في الجدل ، جيء عقب الاستدلال بتفصيل ذلك التحذير مع قرنه بالتبشير لمن تحلى بضده فلذلك عبر عن البعث ابتداء بالراجفة لأنها مبدؤه ، ثم بالزجرة ، وأخيرا بالطامة الكبرى لما في هذين الوصفين من معنى يشمل الراجفة