وتقديمه على عامله المقترن بلام الابتداء ، وهي من ذوات الصدر لأنه مجرور كما علمت في قوله : (لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)
وحب المال يبعث على منع المعروف ، وكان العرب يعيّرون بالبخل وهم مع ذلك يبخلون في الجاهلية بمواساة الفقراء والضعفاء ويأكلون أموال اليتامى ولكنهم يسرفون في الإنفاق في مظان السمعة ومجالس الشرب وفي الميسر قال تعالى : (وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا) [الفجر : ١٨ ـ ٢٠].
[٩ ، ١٠] (أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (١٠))
فرع على الإخبار بكنود الإنسان وشحه استفهام إنكاري عن عدم علم الإنسان بوقت بعثرة ما في القبور وتحصيل ما في الصدور فإنه أمر عجيب كيف يغفل عنه الإنسان. وهمزة الاستفهام قدمت على فاء التفريع لأن الاستفهام صدر الكلام.
وانتصب (إِذا) على الظرفية لمفعول (يَعْلَمُ) المحذوف اقتصارا ، ليذهب السامع في تقديره كلّ مذهب ممكن قصدا للتهويل.
والمعنى : ألا يعلم العذاب جزاء له على ما في كنوده وبخله من جناية متفاوتة المقدار إلى حد إيجاب الخلود في النار.
وحذف مفعولا (يَعْلَمُ) ولا دليل في اللفظ على تعيين تقديرهما فيوكل إلى السامع تقدير ما يقتضيه المقام من الوعيد والتهويل ويسمى هذا الحذف عند النحاة الحذف الاقتصاري ، وحذف كلا المفعولين اقتصارا جائز عند جمهور النحاة وهو التحقيق وإن كان سيبويه يمنعه.
و (بُعْثِرَ) : معناه قلب من سفل إلى علوّ ، والمراد به إحياء ما في القبور من الأموات الكاملة الأجساد أو أجزائها ، وتقدم بيانه عند قوله تعالى : (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) في سورة الانفطار [٤].
و (حُصِّلَ) : جمع وأحصي. و (ما فِي الصُّدُورِ) : هو ما في النفوس من ضمائر وأخلاق ، أي جمع عدّه والحساب عليه.
(إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١))