يحفظه وهو الأعمال خيرها وشرّها ، وذلك يستلزم إرادة المحاسبة عليها والجزاء بما تقتضيه جزاء مؤخرا بعد الحياة الدنيا لئلا تذهب أعمال العاملين سدى وذلك يستلزم أن الجزاء مؤخر إلى ما بعد هذه الحياة إذ المشاهد تخلّف الجزاء في هذه الحياة بكثرة ، فلو أهمل الجزاء لكان إهماله منافيا لحكمة الإله الحكيم مبدع هذا الكون كما قال : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) [المؤمنون : ١١٥] وهذا الجزاء المؤخر يستلزم إعادة حياة للذوات الصادرة منها الأعمال.
فهذه لوازم أربعة بها كانت الكناية تلويحية رمزية.
وقد حصل مع هذا الاستدلال إفادة أن على الأنفس حفظة فهو إدماج.
والحافظ : هو الذي يحفظ أمرا ولا يهمله ليترتب عليه غرض مقصود.
وقرأ الجمهور : لما بتخفيف الميم ، وقرأه ابن عامر وحمزة وأبو جعفر وخلف بتشديد الميم.
فعلى قراءة تخفيف الميم تكون (إن) مخففة من الثقيلة ولما مركبة من اللام الفارقة بين (إن) النافية و (إن) المخففة من الثقيلة ومعها (ما) الزائدة بعد اللام للتأكيد وأصل الكلام : إن كل نفس لعليها حافظ.
وعلى قراءة تشديد الميم تكون (إن) نافية و (لَمَّا) حرف بمعنى (إلّا) فإن (لمّا) ترد بمعنى (إلّا) في النفي وفي القسم ، تقول : سألتك لمّا فعلت كذا أي إلّا فعلت ، على تقدير : ما أسألك إلّا فعل كذا فآلت إلى النفي وكل من (إن) المخففة و (إن) النافية يتلقّى بها القسم.
وقد تضمن هذا الجواب زيادة على إفادته تحقيق الجزاء إنذارا للمشركين بأن الله يعلم اعتقادهم وأفعالهم وأنه سيجازيهم على ذلك.
[٥ ـ ٧] (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧))
الفاء لتفريع الأمر بالنظر في الخلقة الأولى ، على ما أريد من قوله : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [الطارق : ٤] من لوازم معناه ، وهو إثبات البعث الذي أنكروه على طريقة الكناية التلويحية الرمزية كما تقدم آنفا ، فالتقدير : فإن رأيتم البعث محالا فلينظر الإنسان