وأعيدت كلمة (مِنْ شَرِّ) بعد حرف العطف في هذه الجملة. وفي الجملتين المعطوفتين عليها مع أن حرف العطف مغن عن إعادة العامل قصدا لتأكيد الدعاء ، تعرضا للإجابة ، وهذا من الابتهال فيناسبه الإطناب.
والغاسق : وصف الليل إذا اشتدت ظلمته يقال : غسق الليل يغسق ، إذا أظلم قال تعالى : (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) [الإسراء : ٧٨] ، فالغاسق صفة لموصوف محذوف لظهوره من معنى وصفة مثل الجواري في قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ) [الشورى : ٣٢] وتنكير (غاسِقٍ) للجنس لأن المراد جنس الليل.
وتنكير (غاسِقٍ) في مقام الدعاء يراد به العموم لأن مقام الدعاء يناسب التعميم.
ومنه قول الحريري في المقامة الخامسة : «يا أهل ذا المعنى وقيتم ضرا» أي وقيتم كل ضر.
وإضافة الشر إلى غاسق من إضافة الاسم إلى زمانه على معنى (في) كقوله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ : ٣٣].
والليل : تكثر فيه حوادث السوء من اللصوص والسباع والهوام كما تقدم آنفا.
وتقييد ذلك بظرف (إِذا وَقَبَ) أي إذا اشتدت ظلمته لأن ذلك وقت يتحيّنه الشطّار وأصحاب الدعارة والعيث ، لتحقّق غلبة الغفلة والنوم على الناس فيه ، يقال : أغدر الليل ، لأنه إذا اشتد ظلامه كثر الغدر فيه ، فعبر عن ذلك بأنه أغدر ، أي صار ذا غدر على طريق المجاز العقلي.
ومعنى (وَقَبَ) دخل وتغلغل في الشيء ، ومنه الوقبة : اسم النقرة في الصخرة يجتمع فيها الماء ، ووقبت الشمس غابت ، وخص بالتعوذ أشد أوقات الليل توقعا لحصول المكروه.
(وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (٤))
هذا النوع الثاني من الأنواع الخاصة المعطوفة على العام من قوله : (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) [الفلق : ٢]. وعطف (شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) على شر الليل لأن الليل وقت يتحين فيه السحرة إجراء شعوذتهم لئلا يطلع عليهم أحد.
والنفث : نفخ مع تحريك اللسان بدون إخراج ريق فهو أقل من التفل ، يفعله السحرة