كناية مشهورة عن النحر لتلازمهما.
(فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها وَلا يَخافُ عُقْباها ١٥).
أي صاح عليهم ربهم صيحة غضب. والمراد بهذه الدمدمة صوت الصاعقة والرجفة التي أهلكوا بها قال تعالى : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) [الحجر : ٧٣] ، وإسناد ذلك إلى الله مجاز عقلي لأن الله هو خالق الصيحة وكيفياتها. فوزن دمدم فعلل ، وقال أكثر المفسرين : دمدم عليهم أطبق عليهم الأرض ، يقال : دمّم عليه القبر ، إذا أطبقه ودمدم مكرر دمّم للمبالغة مثل كبكب ، وعليه فوزن دمدم فعلل.
وفرع على «دمدم عليهم» (فَسَوَّاها) أي فاستووا في إصابتها لهم ، فضمير النصب عائد إلى الدمدمة المأخوذة من «دمدم عليهم».
ومن فسروا «دمدم» بمعنى : أطبق عليهم الأرض قالوا معنى «سوّاها» : جعل الأرض مستوية عليهم لا تظهر فيها أجسادهم ولا بلادهم ، وجعلوا ضمير المؤنث عائدا إلى الأرض المفهومة من فعل «دمدم» فيكون كقوله تعالى : (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) [النساء : ٤٢].
وبين (فَسَوَّاها) هنا وقوله : (وَما سَوَّاها) [الشمس : ٧] قبله محسن الجناس التام.
والعقبى : ما يحصل عقب فعل من الأفعال من تبعة لفاعله أو مثوبة ، ولما كان المذكور عقابا وغلبة وكان العرف أن المغلوب يكنّى في نفسه الأخذ بالثأر من غالبه فلا يهدأ له بال حتى يثأر لنفسه ، ولذلك يقولون : الثّأر المنيم ، أي الذي يزيل النوم عن صاحبه ، فكان الذي يغلب غيره يتقي حذرا من أن يتمكن مغلوبه من الثأر ، أخبر الله أنه الغالب الذي لا يقدر مغلوبه على أخذ الثأر منه ، وهذا كناية عن تمكن الله من عقاب المشركين ، وأن تأخير العذاب عنهم إمهال لهم وليس عن عجز فجملة (وَلا يَخافُ عُقْباها) تذييل للكلام وإيذان بالختام.
ويجوز أن يكون قوله : (وَلا يَخافُ عُقْباها) تمثيلا لحالهم في الاستئصال بحال من لم يترك من يثأر له فيكون المثل كناية عن هلاكهم عن بكرة أبيهم لم يبق منهم أحد.
وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر فلا يخاف عقباها بفاء العطف تفريعا على (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ) وهو مكتوب بالفاء في مصاحف المدينة ومصحف الشام ... ومعنى التفريع بالفاء على هذه القراءة تفريع العلم بانتفاء خوف الله منهم مع قوّتهم ليرتدع بهذا