الكلام الذي لم يتكلم به الرب (الإصحاح الثامن عشر). وقول الإنجيل : «وأنا أطلب من الأب فيعطيكم معزّيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد (أي شريعته لأن ذات النبي لا تمكث إلى الأبد) روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه (يوحنا الإصحاح الرابع عشر الفقرة ٦) «وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكّركم بكل ما قلته لكم (يوحنا الإصحاح الرابع عشر فقرة ٢٦).
وقوله : ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ، (أي بعد عيسى) ويضلون كثيرين ولكن الذي يصبر إلى المنتهى (أي يبقى إلى انقراض الدنيا وهو مؤول ببقاء دينه إذ لا يبقى أحد حيا إلى انقراض الدنيا) فهذا يخلّص ويكرر ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم ثم يأتي المنتهى» ، أي نهاية الدنيا (متّى الإصحاح الرابع والعشرون) ، أي فهو خاتم الرسل كما هو بين.
وكان أحبارهم قد أساءوا التأويل للبشارات الواردة في كتبهم بالرسول المقفّي وأدخلوا علامات يعرفون بها الرسول صلىاللهعليهوسلم الموعود به هي من المخترعات الموهومة فبقي من خلفهم ينتظرون تلك المخترعات فإذا لم يجدوها كذّبوا المبعوث إليهم.
و (الْبَيِّنَةُ) : الحجة الواضحة والعلامة على الصدق وهو اسم منقول من الوصف جرى على التأنيث لأنه مؤول بالشهادة أو الآية.
ولعل إيثار التعبير بها هنا لأنها أحسن ما تترجم به العبارة الواقعة في كتب أهل الكتاب مما يحوم حول معنى الشهادة الواضحة لكل متبصر كما وقع في إنجيل متّى لفظ «شهادة لجميع الأمم» ، (ولعل التزام هذه الكلمة هنا مرتين كان لهذه الخصوصية) وقد ذكرت مع ذكر الصحف الأولى في قوله : (وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) [طه : ١٣٣].
والظاهر أن التعريف في (الْبَيِّنَةُ) تعريف العهد الذهني ، وهو أن يراد معهود بنوعه لا بشخصه كقولهم : ادخل السوق ، لا يريدون سوقا معينة بل ما يوجد فيه ماهية سوق ، ومنه قول زهير :
وما الحرب إلّا ما علمتم وذقتم
ولذلك قال علماء البلاغة : إن المعرّف بهذه اللام هو في المعنى نكرة فكأنه قيل حتى تأتيهم بينة.