واعلم أن الأحاديث الصحيحة في حكم أطفال المشركين متعارضة ، فروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة وابن عباس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سئل عن أولاد أو ذراري المشركين. فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» ، وهذا الجواب يحتمل الوقف عن الجواب ، أي الله أعلم بحالهم كقول موسى عليهالسلام : (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ) [طه : ٥٢] جوابا لقول فرعون : (فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) [طه : ٥١]. ويحتمل أن المعنى الله أعلم بحال كل واحد منهم لو كبر ما ذا يكون عاملا من كفر أو إيمان ، أي فيعامله بما علم من حاله.
وأخرج البخاري ومسلم (ببعض اختلاف في اللفظ) عن أبي هريرة أن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم قال : «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه أو يمجسانه» الحديث. زاد في رواية مسلم : ثم يقول (أي أبو هريرة) اقرءوا : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) [الروم : ٣٠] فيقتضي أنهم يولدون على فطرة الإسلام حتى يدخل عليه من أبويه أو قريبه أو قرينه ما يغيره عن ذلك وهذا أظهر ما يستدل به في هذه المسألة.
وقال المازري في «المعلم» : فاضطرب العلماء فيهم. والأحاديث وردت ظواهرها مختلفة واختلاف هذه الظواهر سبب اضطراب العلماء في ذلك والقطع هاهنا يبعد ا ه.
وقول أبي هريرة : واقرءوا : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) إلخ مصباح ينير وجه الجمع بين هذه الأخبار : وقد ورد في حديث الرؤيا عن سمرة بن جندب ما هو صريح في ذلك إذ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «وأما الرجل الذي في الروضة فإنه إبراهيم عليهالسلام وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة». قال سمرة فقال بعض المسلمين : يا رسول الله «وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأولاد المشركين». واختلفت أقوال العلماء في أولاد المشركين فقال ابن المبارك وحمّاد بن سلمة وحمّاد بن زيد وإسحاق بن راهويه والشافعي هم في مشيئة الله. والصحيح الذي عليه المحققون والجمهور أنهم في الجنة وهو ظاهر قول أبي هريرة. وذهب الأزارقة إلى أن أولاد المشركين تبع لآبائهم ، وقال أبو عبيد : سألت محمد بن الحسن عن حديث : «كل مولود يولد على الفطرة» فقال : كان ذلك أول الإسلام قبل أن تنزل الفرائض وقبل أن يفرض الجهاد. قال أبو عبيد : كأنه يعني أنه لو ولد على الفطرة لم يرثاه لأنه مسلم وهما كافران فلما فرضت الفرائض على خلاف ذلك جاز أن يسمى كافرا وعلم أنه يولد على دينهما.
وهنالك أقوال أخرى كثيرة غير معزوة إلى معيّن ولا مستندة لأثر صحيح.