لأبي زكرياء صاحب إفريقية ، وأطاعته جيّان وشريش سنة ثلاثين بعدها ، واستظهر على أمره بقرابته من بني نصر وأصهاره بني أشقيلولة. ثم بايع لبني هود سنة إحدى وثلاثين ، عند ما بلغه خطاب الخليفة من بغداد. ثم ثار بإشبيلية أبو مروان الباجي عند خروج ابن هود عنها ورجوعه إلى مرسية ، فداخله محمد بن الأحمر في الصلح على أن يزوّجه ابنته ، فأطاعه ، ودخل إشبيلية سنة اثنتين وثلاثين. ثم فتك بابن الباجي فقتله ، وتناول البطش به علي بن أشقيلولة. ثم راجع أهل إشبيلية بعدها بشهر دعوة ابن هود ، وأخرج ابن الأحمر. ثم تغلّب على غرناطة سنة خمس وثلاثين بمداخلة أهلها حين ثار ابن أبي خالد بدعوته فيها ، ووصلته بيعتها وهو بجيّان ، فقدم إليها علي بن أشقيلولة. ثم جاء على أثره ، ونزلها ، وابتنى بها حصن الحمراء لنزوله. ثم تغلّب على مالقة ، ثم تناول ألمريّة من يد ابن الرميمي وزير ابن هود الثائر بها سنة ثلاث وأربعين ، ثم بايعه أهل لورقة سنة ثلاث وستّين ، وكان ابن الأحمر أول أمره وصل يده بالطاغية استظهارا على أمره ، فعضده وأعطاه ابن هود ثلاثين حصنا في كفّ غربه بسبب ابن الأحمر ، وليعينه على ملك قرطبة ، فتسلّمها ، ثم تغلّب على قرطبة سنة ثلاث وثلاثين وستمائة ، أعادها الله! ثم نازل إشبيلية سنة ست وأربعين وابن الأحمر معه ، ثم دخلها صلحا ، وملك أعمالها. ثم ملك مرسية سنة خمس وستّين. ولم يزل الطاغية يقتطع ممالك المسلمين كورة كورة وثغرا ثغرا إلى أن ألجأ المسلمين إلى سيف البحر ما بين رندة من الغرب وإلبيرة من شرق الأندلس نحو عشر مراحل من الغرب إلى الشرق ، وفي قدر مرحلة أو دونها في العرض ما بين البحر والجوف. ثم سخط ابن الأحمر وطمع في الاستيلاء على سائر الجزيرة فامتنعت عليه ، وتلاحق بالأندلس الغزاة من بني مرين وغيرهم ، وعقد ملك المغرب يعقوب بن عبد الحق لنحو الثلاثة آلاف منهم ، فأجازوا في حدود الستّين وستمائة ، وتقبّل ابن الأحمر إجازتهم ، ودفع بهم في نحر عدوّة ، ورجعوا. ثم تناسلوا إليه بعد ذلك ، ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن هلك الشيخ ابن الأحمر سنة إحدى وسبعين وستمائة ، وولي بعده ابنه محمد الفقيه ، وأوصاه باستصراخ بني مرين ، ملوك المغرب بعد الموحدين ، إن طرقه أمر أن يعتضد بهم ، فأجازه الفقيه إلى يعقوب بن عبد الحقّ سلطان فاس والمغرب سنة ثنتين وسبعين ، فأجاب صريخه ، وأرسل ابنه وعساكره معه. ثم أجاز على أثره وتسلّم الجزيرة الخضراء من ثائر كان بها وجعلها ركابا لجهاده ، ونزل إليه ابن الأحمر عن طريف وما إليها من الحصون ، وهزم هو وابن الأحمر زعيم النصرانية دنّنه وفرّق جمعه ، وأوقع بجموع الطاغية من كل جهة ، وبثّ سراياه وبعوثه في أرض النصرانية ، ثم خاف ابن الأحمر على ملكه ، وصالح الطاغية ثم عاد ، انتهى كلام ابن خلدون ملخصا.
وثبتت قدم عقب ابن الأحمر بالأندلس ، واستولوا على جميع ما بأيدي المسلمين من ملكها مثل الجزيرة وطريف ورندة التي كانت بيد بني مرين.