وبعد مدّة ألّب ملوك النصارى سنة تسع عشرة وسبعمائة على غرناطة ، وجاءها الطاغية دون بطره في جيش لا يحصى ومعه خمسة وعشرون ملكا ، وكان من خبر هذه الوقعة أن الإفرنج حشدوا وجمعوا وذهب سلطانهم دون بطره إلى طليطلة ، ودخل على مرجعهم الذي يقال له البابا ، وسجد له ، وتضرّع ، وطلب منه استئصال ما بقي من المسلمين بالأندلس ، وأكّد عزمه ، فقلق المسلمون بغرناطة وغيرها ، وعزموا على الاستنجاد بالمريني أبي سعيد صاحب فاس ، وأنفذوا إليه رسلا ، فلم ينجع ذلك الدواء ، فرجعوا إلى أعظم الأدوية وهو اللّجأ إلى الله تعالى ، وأخلصوا النيّات ، وأقبل الإفرنج في جموع لا تحصى ، فقضى ناصر من لا ناصر له سواه بهزم أمم النصرانية ، وقتل طاغيتهم دون بطره ، ومن معه ، وكان نصرا عزيزا ويوما مشهورا مشهودا.
وكان السلطان إذ ذاك بالأندلس الغالب بالله أبو الوليد إسماعيل بن الرئيس أبي سعيد فرج بن نصر المعروف بابن الأحمر رغب أن يحصّن البلاد والثغور ، فلما بلغ النصارى ذلك عزموا على منازلة الجزيرة الخضراء ، فانتدب السلطان ابن الأحمر لردّهم ، وجهّز الأساطيل والرجال ، فلمّا رأوا ذلك طلبوا إلى طليطلة ، وعزموا على استئصال المسلمين وبلادهم (١) وتأهّبوا لذلك غاية الأهبة ، ووصلت الأثقال والمجانيق وآلات الحصار والأقوات في المراكب ، ووصل العدوّ إلى غرناطة ، وامتلأت الأرض بهم ، فتقدّم السلطان إلى شيخ الغزاة الشيخ العالم أبي سعيد عثمان بن أبي العلاء المريني بالخروج إلى لقائهم بأنجاد (٢) المسلمين وشجعانهم ، فخرج إليهم يوم الخميس الموفي عشرين لربيع الأول.
ولمّا كانت ليلة الأحد أغارت سريّة من العدوّ على ضيعة من المسلمين ، فخرجت إليهم جماعة من فرسان الأندلس الرّماة ، فقطعوهم عن الجيش ، وفرّت تلك السّريّة أمامهم إلى جهة سلطانهم ، فتبعهم المسلمون إلى الصبح ، فاستأصلوهم وكان هذا أول النصر.
ولمّا كان يوم الأحد ركب الشيخ أبو سعيد لقتال العدوّ في خمسة آلاف من أبطال المسلمين المشهورين ، فلمّا شاهدهم الفرنج عجبوا من إقدامهم مع قلّتهم في تلك الجيوش العظيمة ، فركبوا وحملوا بجملتهم عليهم ، فانهزم الفرنج أقبح هزيمة ، وأخذتهم السيوف ، وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون ثلاثة أيام ، وخرج أهل غرناطة لجمع الأموال ، وأخذ الأسرى ، فاستولوا على أموال عظيمة منها من الذهب ـ فيما قيل ـ ثلاثة وأربعون قنطارا ، ومن
__________________
(١) ابن خلدون ٤ / ١٧٠.
(٢) في ب : وعزموا على استئصال بلاد المسلمين.