الكساد معروض ، فأما بحر رئيس أرّجان (١) ، فقد استخرج منه اللؤلؤ والمرجان ، وأبقاه في ضحضاح ، بل تركه يمشي بأذرح (٢) ضاح ، فمن ذا يجاري فارس الصّفّين وإمام الصنفين؟ أبلغ من خطّ بقلم ، وأشهر من نار على علم ، وما ذا يقال في أنامل تطرز بها الصحف ، وخمائل تفخر بها الروضة الأنف ، واسم في شرق البلاد وغربها ظاهر ، ووسم بالكتابة والنجابة لم يكن لبني وهب وآل طاهر ، فالزمان يأثر ، ما ينثر ، ويعظّم ، ما ينظم ، ولو أن الأزمنة قبله غمرت (٣) المحاضر بكل ناجم ، ونشرت المقابر عن الصّنوبري وكشاجم ، وجاءت بالكتّاب من كل جيل ، والشعراء رعيلا بعد رعيل ، لطال هذا العصر بواحده آلافها ، وأنسى بخلفه أسلافها ، انتهى.
وكتب ـ رحمه الله تعالى! ـ إلى صاحبين له في معنى ما ألمعنا به آنفا ، ما صورته : [مخلع البسيط]
تحيّة منكما أتتني |
|
طابت كما طاب مرسلاها |
ويا لها أذكرت عهودا |
|
قلبي والله ما سلاها |
حللتما في البلاد أرضا |
|
ريح صباها عني سلاها |
لم يصب قلبي إلى سواها |
|
يوما ولم يسل عن سلاها |
كتابي أيها الأخوان اللذان بودّهما أقول ، وعن عهدهما لا أحول ، أنزلكما الله تعالى خير منزل! وجعلكما من النوائب والشوائب بمعزل! من رباط الفتح ولبّي قديما ملكتما رقّه ، وقلبي تعلّما وتعليما عرفتما صدقه ، كيف حالكما من سفر طويتما خبره ، حين تجشّمتما غرره؟ وكيف سمحت (٤) نفوسكما بأمّ الحصون ، وذات الظلال والعيون؟ تربة الآباء ، ومنزلة الجمحيّين النّجباء ، حتى صرمتما حبلها ، وهجرتما حزنها وسهلها ، وخضتما غبر الفجاج ، وخضر الأمواج؟ وما ذاك إلّا لتغلّب الحادث النّكر ، وتألّب المعشر الغدر ، ومن أجل الداهية النكاد ، والحادثة الشنيعة على البلاد ، أزعجتكم حين أزعجتنا ، وأخرجتكم كما أخرجتنا ، وطوّحت بنا طوائحها ، واجتاحت ثمرنا وشجرنا جوائحها ، فشكرا لله تعالى على قضائه ، وتضرّعا فيما نرفعه من دعائه ، وهنيئا لنا ولكم معشر الشّرداء ، المنطوين من الشجن على شرّ داء ، ذلك الطّود
__________________
(١) أراد أبا إسحاق الصابي ، وبمن ذكر بعده الصاحب بن عباد ، وأبا الفضل الميكالي ، وأبا القاسم الحريري صاحب المقامات ، ورئيس أرجان : أبا الفضل بن العميد.
(٢) في ب : بأدرج.
(٣) في ب : عمرت.
(٤) في ب : سخت.