لقدومهم في يوم مشهود ، وقال ابن خلدون : ركبت في ذلك اليوم العساكر بالسلاح في أكمل شكّة (١) ، وزيّن القصر الخلافيّ بأنواع الزينة وأصناف الستور ، وحمّل السرير الخلافيّ بمقاعد الأبناء والإخوة والأعمام والقرابة ، ورتّب الوزراء والخدمة في مواقفهم ، ودخل الرّسل فهالهم ما رأوه ، وقرّبوا حتى أدّوا رسالتهم. وأمر يومئذ الأعلام أن يخطبوا في ذلك المحفل ، ويعظّموا من أمر الإسلام والخلافة ، ويشكروا نعمة الله على ظهور دينه وإعزازه ، وذلّة عدوّه ، فاستعدّوا لذلك. ثم بهرهم هول المجلس فوجموا ، وشرعوا في القول فأرتج عليهم ، وكان فيهم أبو علي القالي وافد العراق ، كان في جملة الحكم وليّ العهد وندبه لذلك استئثارا ، فعجز (٢) ، فلمّا وجموا كلّهم قام منذر بن سعيد البلّوطي من غير استعداد ولا رويّة ولا تقدّم له أحد بشيء من ذلك ، فخطب واستحضر (٣) وجلّى في ذلك القصد ، وأنشد شعرا طويلا ارتجله في ذلك الغرض ، ففاز بفخر ذلك المجلس ، وعجب الناس من شأنه أكثر من كل ما وقع ، وأعجب به الناصر ، وولّاه القضاء بعدها ، وأصبح من رجالات المعالم ، وأخباره مشهورة ، وخطبته في ذلك اليوم منقولة في كتب ابن حيّان وغيره. ثم انصرف هؤلاء الرّسل ، وبعث الناصر معهم هشام بن هذيل بهديّة حافلة ليؤكّد المودّة ويحسن الإجابة ، ورجع بعد سنتين وقد أحكم من ذلك ما شاء وجاءت معه رسل قسطنطين. ثم جاء رسول من ملك الصقالبة ـ وهو يومئذ دوقوه ـ ورسول آخر من ملك الألمان ، ورسول آخر من ملك الإفرنجة وراء البرت ـ وهو يومئذ أوفة ـ ورسول آخر من ملك الإفرنجة بقاصية المشرق ـ وهو يومئذ كلدة ـ واحتفل الناصر لقدومهم ، وبعث مع رسول الصقالبة ربيعا الأسقفّ إلى ملكهم دوقوه ورجع بعد سنتين.
وفي سنة أربع وأربعين جاء رسول أردون يطلب السلم ، فعقد له ، ثم بعث في سنة خمس وأربعين يطلب إدخال فردلند قومس قشتيلة في عهده فأذن له في ذلك ، وأدخل في عهده ، وكان غرسيه بن شانجه قد استولى على جلّيقيّة بعد أبيه شانجه بن فرويله (٤) ثم انتقض
__________________
(١) الشكة : السلاح الكامل ، العدة الكاملة ، ومنه : شاكي السلاح.
(٢) في ب : استئثارا بفخره ، فلما ...
(٣) في ب : واسحنفر.
(٤) في ب : فرذلند.