كمّل لمن أمّلك النعمة بتركه في موطنه ، غير مكدّر لخاطره بالتحرّك من معدنه ، متلفّتا إلى قول القائل (١) : [البسيط]
وسوّلت لي نفسي أن أفارقها |
|
والماء في المزن أصفى منه في الغدر |
فإن أغناه اهتمام مؤمّله عن ارتياد المراد ، وبلّغه دون أن يشدّ قتبا ولا أن ينضي عيسا غاية المراد ، أنشد ناجح المرغوب ، بالغ المطلوب : [الطويل]
وليس الذي يتّبّع الوبل رائدا |
|
كمن جاءه في داره رائد الوبل |
وربّ قائل إذا سمع هذا التبسّط على الأماني : ما له تشطّط ، وعدل عن سبيل التأدّب وتبسّط؟ ولا جواب عندي إلّا قول القائل : [البسيط]
فهذه خطّة ما زلت أرقبها |
|
فاليوم أبسط آمالي وأحتكم |
وما لي لا أنشد ما قاله المتنبي في سيف الدولة : [المتقارب]
ومن كنت بحرا له يا عليّ |
|
لم يقبل الدّرّ إلّا كبارا |
انتهى المقصود منه.
وقال الحجاري : إن مدينة شريش بنت إشبيلية ، وواديها ابن واديها ، ما أشبه سعدى بسعيد ، وهي مدينة جليلة ضخمة الأسواق ، لأهلها همم ، وظرف في اللباس ، وإظهار الرفاهية ، وتخلّق بالآداب ، ولا تكاد ترى بها إلّا عاشقا أو (٢) معشوقا ، ولها من الفواكه ما يعمّ ويفضل ، وممّا اختصّت به إحسان الصنعة في المجبنات ، وطيب جبنها يعين على ذلك ، ويقول أهل الأندلس : من دخل شريش ولم يأكل بها المجبنات فهو محروم ، انتهى.
والمجبنات : نوع من القطائف يضاف إليها الجبن في عجينها ، وتقلى بالزيت الطيب.
وفي شلب يقول الفاضل الكاتب أبو عمرو بن مالك بن سبدمير (٣) : [الخفيف]
أشجاك النسيم حين يهبّ |
|
أم سنى البرق إذ يخبّ ويخبو |
أم هتوف على الأراكة تشدو |
|
أم هتون من الغمامة سكب |
كلّ هذاك للصّبابة داع |
|
أيّ صبّ دموعه لا تصبّ |
__________________
(١) هذا البيت للأعمى التطيلي قاله حين أزمع مفارقة إشبيلية (انظر ديوانه ص ٤٩).
(٢) في ب : عاشقا ومعشوقا.
(٣) في ب : سيدمير.