ثم فتحوا له المدينة يوم الفطر سنة أربع وتسعين فملكها. ثم إن عجم إشبيلية انتقضوا على المسلمين ، واجتمعوا من مدينتي باجة ولبلة إليهم ، فأوقعوا بالمسلمين ، وقتلوا منهم نحو ثمانين رجلا ، وأتى فلّهم الأمير موسى وهو بماردة ، فلمّا أن فتحها وجّه ابنه عبد العزيز بن موسى في جيش إليهم ففتح إشبيلية وقتل أهلها ، ونهض إلى لبلة ففتحها ، واستقامت الأمور فيما هنالك ، وعلا الإسلام ، وأقام عبد العزيز بإشبيلية ، وتوجّه الأمير موسى من ماردة في عقب شوال من العام المؤرّخ يريد طليطلة ، وبلغ طارقا خبره ، فاستقبله في وجوه الناس ، فلقيه في موضع من كورة طلبيرة ، وقيل : إن موسى تقدّم من ماردة فدخل جلّيقية من فجّ نسب إليه ، فخرقها حتى وافى طارق بن زياد صاحب مقدمته بمدينة أسترقة ، فغضّ منه علانية ، وأظهر ما بنفسه عليه من حقد ، والله أعلم ؛ وقيل : لمّا وقعت عينه عليه نزل إليه إعظاما له ، فقنّعه موسى بالسّوط ، ووبّخه على استبداده عليه ومخالفته لرأيه. وساروا إلى طليطلة ، فطالبه موسى بأداء ما عنده من مال الفيء وذخائر الملوك ، واستعجله بالمائدة ، فأتاه بها وقد خلع من أرجلها رجلا وخبّأه عنده ، فسأله موسى عنه ، فقال : لا علم لي به ، وهكذا أصبتها ، فأمر موسى فجعل لها رجل من ذهب جاء بعيد الشبه من أرجلها يظهر عليه التعمّل ، ولم يقدر على أحسن منه ، فأخلّ بها.
وقال ابن الفرضي : موسى بن نصير صاحب فتح الأندلس لخميّ يكنى أبا عبد الرحمن ، يروي عن تميم الداريّ ، وروى عنه يزيد بن مسروق اليحصبي.
وقيل : غزا موسى بن نصير في المحرّم سنة ثلاث وتسعين ، فأتى طنجة ، ثم عبر على (١) الأندلس ، فأداخها ، لا يأتي على مدينة إلّا فتحها ونزل أهلها على حكمه ، وسار (٢) إلى قرطبة ، ثم قفل على (٣) الأندلس سنة أربع وتسعين ، فأتى إفريقية ، وسار عنها سنة خمس وتسعين إلى الشام يؤمّ الوليد بن عبد الملك يجرّ الدنيا بما احتمله من غنائم الأندلس من الأموال والأمتعة يحملها على العجل والظّهر ، ومعه ثلاثون ألف رأس من السبي ، فلم يلبث أن هلك الوليد بن عبد الملك وولي سليمان ، فنكب موسى نكبا أدّاه إلى المتربة (٤) ، فهلك في نكبته تلك بوادي القرى سنة سبع وتسعين.
قال ابن حيّان : وهذه المائدة المنوّه باسمها المنسوبة إلى سليمان النبيّ ، عليه الصلاة والسلام ، لم تكن له فيما يزعم رواة العجم ، وإنما أصلها أن العجم في أيام ملكهم كان أهل
__________________
(١) في ب : إلى.
(٢) في ب : ثم سار.
(٣) في ب : عن.
(٤) المتربة : الفقر.