وكأنما قبل التجافيف اكتست |
|
نارا تؤجّجها بلا إشعال (١) |
وقال بعض المؤرخين في حق الحكم المستنصر عن فتاه تليد صاحب خزانته العلمية فيما حدّث عنه الحافظ أبو محمد بن حزم : إنّ عدة الفهارس التي فيها تسمية الكتب أربع وأربعون فهرسة في كل فهرسة عشرون ورقة ليس فيها إلّا ذكر الدواوين فقط ، انتهى. وقد قدّمناه عن ابن خلدون ، ونقله ابن الأبار في التكملة.
وقال بعض المؤرّخين في حق الحكم : إنه كان حسن السيرة ، مكرّما للقادمين عليه ، جمع من الكتب ما لا يحدّ ولا يوصف كثرة ونفاسة ، حتى قيل : إنها كانت أربعمائة ألف مجلد ، وإنّهم لمّا نقلوها أقاموا ستة أشهر في نقلها ، وكان عالما نبيها ، صافي السريرة ، وسمع من قاسم بن أصبغ وأحمد بن دحيم ومحمد بن عبد السلام الخشني وزكريا بن خطاب وأكثر عنه ، وأجاز له ثابت بن قاسم ، وكتب عن خلق كثير سوى هؤلاء. وكان يستجلب المصنّفات من الأقاليم والنواحي باذلا فيها ما أمكن من الأموال حتى ضاقت عنها خزائنه ، وكان ذا غرام بها ، قد آثر ذلك على لذّات الملوك ، فاستوسع علمه ، ودقّ نظره ، وجمت استفادته ، وكان في المعرفة بالرجال والأخبار والأنساب أحوذيّا (٢) نسيج وحده ، وكان ثقة فيما ينقله ، بهذا وصفه ابن الأبار وبأضعافه ، وقال : عجبا لابن الفرضي وابن بشكوال كيف لم يذكراه وقلّما يوجد كتاب من خزائنه إلّا وله فيه قراءة أو نظر في أي فنّ كان ويكتب فيه نسب المؤلف ومولده ووفاته ويأتي من بعد ذلك بغرائب لا تكاد توجد إلّا عنده لعنايته بهذا الشأن.
ومما ينسب إليه من النظم قوله : [الطويل]
إلى الله أشكو من شمائل مسرف (٣) |
|
عليّ ظلوم لا يدين بما دنت |
نأت عنه داري فاستزاد صدوده |
|
وإنّي على وجدي القديم كما كنت |
ولو كنت أدري أنّ شوقي بالغ |
|
من الوجد ما بلّغته لم أكن بنت |
وقوله (٤) : [الطويل]
__________________
(١) في ب : توهجها.
(٢) الأحوذي : الذي يسوق الأمور سوقا حسنا.
(٣) في ب : مترف.
(٤) أورد ابن الأبار في الحلة السيراء أبياتا لعبد الله بن عبد الرحمن الناصر بنفس الوزن والقافية والمعنى مع تشابه في كثير من الألفاظ (الحلة السيراء ص ٢٥٨).