أخبارهم. وأمّا الرّجم بالحجر للقضاة والولاة للأعمال إذا لم يعدلوا فكلّ يوم.
وأما طريقة الفقراء على مذهب أهل الشرق في الدّورة (١) التي تكسل عن الكدّ وتخرج (٢) الوجوه للطلب في الأسواق فمستقبحة عندهم إلى النهاية (٣) ، وإذا رأوا شخصا صحيحا قادرا على الخدمة يطلب سبّوه وأهانوه ، فضلا عن أن يتصدّقوا عليه ، فلا تجد بالأندلس سائلا إلّا أن يكون صاحب عذر.
وأما حال أهل الأندلس في فنون العلوم ، فتحقيق الإنصاف في شأنهم في هذا الباب أنهم أحرص الناس على التميّز ، فالجاهل الذي لم يوفّقه الله للعلم يجهد أن يتميز بصنعة ، ويربأ بنفسه (٤) أن يرى فارغا عالة على الناس ؛ لأنّ هذا عندهم في نهاية القبح ، والعالم عندهم معظّم من الخاصّة والعامّة ، يشار إليه ، ويحال عليه ، وينبه قدره وذكره عند الناس ، ويكرم في جوار أو ابتياع حاجة ، وما أشبه ذلك. ومع هذا فليس لأهل الأندلس مدارس تعينهم على طلب العلم ، بل يقرءون جميع العلوم في المساجد بأجرة ، فهم يقرءون لأن يعلموا لا لأن يأخذوا جاريا ، فالعالم منهم بارع ؛ لأنه يطلب ذلك العلم بباعث من نفسه يحمله على أن يترك الشغل الذي يستفيد منه ، وينفق من عنده حتى يعلم ، وكل العلوم لها عندهم حظ واعتناء ، إلّا الفلسفة والتنجيم ، فإنّ لهما حظّا عظيما عند خواصّهم ، ولا يتظاهر بها (٥) خوف العامّة ، فإنه كلّما قيل «فلان يقرأ الفلسفة» أو «يشتغل بالتنجيم» أطلقت عليه العامّة اسم زنديق ، وقيّدت عليه أنفاسه ، فإن زلّ في شبهة رجموه بالحجارة أو حرقوه قبل أن يصل أمره للسلطان ، أو يقتله السلطان تقرّبا لقلوب العامّة ، وكثيرا ما يأمر ملوكهم بإحراق كتب هذا الشأن إذا وجدت ، وبذلك تقرّب المنصور بن أبي عامر لقلوبهم أول نهوضه وإن كان غير خال من الاشتغال بذلك في الباطن على ما ذكره الحجاري والله أعلم. وقراءة القرآن بالسبع ورواية الحديث عندهم رفيعة ، وللفقه رونق ووجاهة ، ولا مذهب لهم إلّا مذهب مالك ، وخواصّهم يحفظون من سائر المذاهب ما يباحثون به بمحاضر ملوكهم ذوي الهمم في العلوم. وسمة الفقيه عندهم جليلة ، حتى إن المسلمين (٦) كانوا يسمّون الأمير العظيم منهم الذي يريدون تنويهه بالفقيه ، وهي الآن بالمغرب بمنزلة القاضي بالمشرق ، وقد يقولون للكاتب والنحوي واللغوي فقيه ؛ لأنها عندهم أرفع السّمات.
__________________
(١) في ب : الدّروزة.
(٢) في ب : وتحوج.
(٣) في ب : نهاية.
(٤) يربأ بنفسه : يترفع بها.
(٥) في ب : بهما.
(٦) في ب : الملثمين.