الوليد ، فهجم عليه موسى فانتزعه منه ، فقيل له : إن سرت به حيّا معك ادّعاه مغيث ، والعلج لا ينكر قوله ، ولكن اضرب عنقه ، ففعل ، فاضطغنها (١) عليه مغيث ، وصار ألبا (٢) مع طارق الساعي عليه ، واستخلف موسى على طنجة وما يليها من المغرب ابنه الآخر عبد الملك ، وقد كان ـ كما مرّ ـ استخلف بإفريقية أكبر أولاده عبد الله ، فصار جميع الأندلس والمغرب بيد أولاده ، وابنه عبد الله الذي خلفه بإفريقية هو الفاتح لجزيرة ميورقة. وسار موسى فورد الشام ، واختلف الناس : هل كان وروده قبل موت الوليد أو بعده؟ فمن يقول بالثاني قال : قدم على سليمان حين استخلف ، وكان منحرفا عليه (٣) ، فسبق إليه طارق ومغيث بالشكيّة منه ، ورمياه بالخيانة ، وأخبراه بما صنع بهما من خبر المائدة والعلج صاحب قرطبة ، وقالا له : إنه قد غلّ (٤) جوهرا عظيم القدر أصابه ولم تحو الملوك من بعد فتح فارس مثله ، فلما وافى سليمان وجده ضغينا عليه ، فأغلظ له ، واستقبله بالتأنيب والتوبيخ ، فاعتذر له ببعض العذر ، وسأله عن المائدة ، فأحضرها ، فقال له : زعم طارق أنه الذي أصابها دونك ، قال : لا ، وما رآها قطّ إلّا عندي ، فقال طارق : فليسأله أمير المؤمنين عن الرّجل التي تنقصها ، فسأله ، فقال : هكذا أصبتها ، وعوّضتها رجلا صنعتها لها ، فحوّل طارق يده إلى قبائه فأخرج الرّجل ، فعلم سليمان صدقه وكذب موسى ، فحقّق جميع ما رمي به عنده ، وعزله عن جميع أعماله ، وأقصاه ، وحبسه ، وأمر بتقصّي حسابه (٥) ، فأغرمه غرما عظيما كشفه فيه ، حتى اضطر (٦) إلى أن سأل العرب معونته ، فيقال : إنّ لخما حملت عنه في أعطيتها تسعين ألفا ذهبا ، وقيل : حمله سليمان غرم مائتي ألف ، فأدّى مائة ألف ، وعجز ، فاستجار بيزيد بن المهلب أسير (٧) سليمان ، فاستوهبه من سليمان ، فوهبه إيّاه ، إلّا أنه عزل ابنه عبد الله عن إفريقية.
وقال الرازي : إن الذي أزعج موسى عن الأندلس أبو نصر رسول الوليد ، فقبض على عنانه وثناه قافلا ، وقفل معه من أحبّ المشرق ، وكان أكثر الناس قطنوا ببلاد الأندلس لطيبها ، فأقاموا فيها.
وذهب جماعة من أهل التاريخ إلى أن موسى إنما قدم على الوليد ، وأن سليمان وليّ
__________________
(١) اضطغن عليه : حقد عليه.
(٢) وصار ألبا مع طارق عليه : أي اجتمعت عداوته مع عداوة طارق عليه.
(٣) في ب : عنه.
(٤) غلّ غلولا : خان في المغنم.
(٥) تقصى المسألة : بلغ الغاية في البحث فيها أو عنها ، وتقصى حسابه : تتبعه بدقة ليعرف حقيقته.
(٦) في ب : اضطره.
(٧) في ب : أثير.