عجبت ، وقد ودّعتها ، كيف لم أمت |
|
وكيف انثنت بعد الوداع يدي معي |
فيا مقلتي العبرى ، عليها اسكبي دما |
|
ويا كبدي الحرّى ، عليها تقطّعي |
وتوفي ـ رحمه الله تعالى! ـ بقصر قرطبة ثاني صفر سنة ست وستّين وثلاثمائة ، لستّ عشرة سنة من خلافته ، وكان أصابه الفالج ، فلزم الفراش إلى أن هلك ـ رحمه الله تعالى! ـ وكان قد شدّد في إبطال الخمر في مملكته تشديدا عظيما.
وولي بعده ابنه هشام صغيرا سنّه تسع سنين ، ولا ينافيه قول ابن خلدون : «قد ناهز الحلم» وكان الحكم قد استوزر له محمد بن أبي عامر ، ونقله من خطة القضاء إلى وزارته ، وفوّض إليه أموره ، فاستقلّ.
قال ابن خلدون (١) : وترقّت حال ابن أبي عامر عند الحكم ، فلما توفي الحكم وبويع هشام ولقّب المؤيّد بعد أن قتل ليلتئذ المغيرة أخو الحكم المرشّح لأمره تناول الفتك به محمد بن أبي عامر هذا بممالأة من جعفر بن عثمان المصحفيّ حاجب أبيه ، وغالب مولى الحكم صاحب مدينة سالم ، ومن خصيان القصر يومئذ ورؤسائهم فاتن (٢) وجؤذر ، فقتل ابن أبي عامر المغيرة بممالأة من ذكر ، وتمّت البيعة لهشام. ثم سما لابن أبي عامر أمل في التغلّب على هشام لمكانه في السنّ ، وثاب له رأي في الاستبداد ، فمكر بأهل الدولة ، وضرب بين رجالها ، وقتل بعضا ببعض. وكان من رجال اليمنية من معافر ، دخل جدّه عبد الملك على طارق ، وكان عظيما في قومه ، وكان له في الفتح أثر ، وعظم ابن أبي عامر هذا ، وغلب على المؤيد ، ومنع الوزراء من الوصول إليه إلّا في النادر من الأيام يسلّمون وينصرفون. وأرضخ (٣) للجند في العطاء ، وأعلى مراتب العلماء ، وقمع أهل البدع ، وكان ذا عقل ورأي وشجاعة وبصر بالحروب ودين متين. ثم تجرّد لرؤساء الدولة ممّن عانده وزاحمه ، فمال عليهم ، وحطّهم عن مراتبهم ، وقتل بعضا ببعض ، كلّ ذلك عن هشام (٤) وخطّه وتوقيعه حتى استأصلهم وفرّق جموعهم. وأول ما بدأ بالصقالبة الخصيان الخدّام بالقصر ، فحمل الحاجب المصحفيّ على نكبتهم ، فنكبهم وأخرجهم من القصر ، وكانوا ثمانمائة أو يزيدون ، ثم أصهر إلى غالب مولى الحكم ، وبالغ في خدمته والتنصّح له ، واستعان به على المصحفيّ فنكبه ومحا أثره من
__________________
(١) انظر ابن خلدون ج ٤ / ١٨٨ ط دار الفكر بيروت.
(٢) في ب : فائق.
(٣) أرضخ للجند في العطاء : أراد زاد في أعطيات الجند قليلا.
(٤) في ب : عن أمر هشام.