كثير من قراه وأقطاره ، وأما الأندلس فبطلب العدوّ عليها ؛ لأنه لمّا التاث (١) أمر الموحدين بعد الناصر ابن المنصور انتزى (٢) السادة بنواحي الأندلس كلّ في عمله ، وضعف ملكهم بمراكش ، فصاروا إلى الاستجاشة (٣) بالطاغية بعضهم على بعض ، وإسلام حصون المسلمين إليه في ذلك ، فمشت رجالات الأندلس وأعقاب العرب منذ الدولة الأموية ، وأجمعوا على إخراجهم ، فثاروا به لحين واحد ، وأخرجوهم. وتولى كبر ذلك محمد بن يوسف بن هود الجذامي الثائر بالأندلس وابن مردنيش وثوّار آخرون.
وقال ابن خلدون (٤) : ثم خرج على ابن هود في دولته من أعقاب دولة العرب أيضا وأهل نسبهم محمد بن يوسف بن نصر المعروف بابن الأحمر ، وتلقّب محمد هذا بالشيخ ، فجاذبه الحبل ، وكانت لكل واحد منهما دولة أورثها بنيه ، انتهى.
وكان ابن هود يخطب للعباسي صاحب بغداد ، ثم حصلت لابن هود وأعقابه حروب وخطوب إلى أن كان آخرهم الواثق بن المتوكل ، فضايقه ألفنش والبرشلوني فبعث بالطاعة لابن الأحمر ، فبعث إليه ابن أشقيلولة ، وتسلّم مرسية منه ، وخطب لابن الأحمر بها ، ثم خرج منها راجعا إلى ابن الأحمر ، فأوقع به النصارى في طريقه ، ثم رجع الواثق إلى مرسية ثالثة ، فلم يزل إلى أن ملكها العدو من يده سنة ثمان وستّين وستمائة ، وعوّضه عنها حصنا يسمّى يسر ، وهو من عملها ، فبقي فيه إلى أن هلك. وانقرضت دولة ابن هود ، والله وارث الأرض ومن عليها.
رجع إلى ذكر دولة أولاد الأحمر (٥) ؛ لأن لسان الدين وزير أحدهم ، ولأنهم آخر ملوك الأندلس ، ومن يدهم استولى النصارى على جميعها كما سنذكره. قال ابن خلدون : أصلهم من أرجونة من حصون قرطبة ، ولهم فيها سلف من أبناء الجند ، ويعرفون ببني نصر ، وينتسبون إلى سعد بن عبادة سيد الخزرج. وكان كبيرهم لآخر دولة الموحّدين محمد بن يوسف بن نصر ، ويعرف بالشيخ ، وأخوه إسماعيل. وكانت له وجاهة في ناحيتهم.
ولمّا فشلت ريح الموحّدين ، وانتزى الثوّار بالأندلس ، وأعطى السادة حصونها للطاغية ، استقل بأمر الجماعة محمد بن يوسف بن هود الثائر بمرسية بدعوة العباسية ، وتغلّب على شرق الأندلس أجمع ، فتصدّى الشيخ هذا للثورة عليه وبويع له سنة تسع وعشرين وستمائة ، ودعا
__________________
(١) التاث : اضطرب.
(٢) انتزى : ثار.
(٣) استجاشه : طلب منه المساعدة.
(٤) انظر ابن خلدون ٤ / ١٦٧.
(٥) في ب ، ه : ولنذكر ملوك بني الأحمر إجمالا.