فأفرج عنه الحباب ، وفارق الصميل سرقسطة فملكها الحباب ، وولّى يوسف الصميل على طليطلة إلى أن كان من عبد الرحمن الداخل ما كان. انتهى كلام وليّ الدين بن خلدون ببعض اختصار وقال بعض المؤرخين : إن عبد الله بن مروان أخا عبد الملك كان واليا على مصر وإفريقية ، فبعث إليه ابن أخيه الوليد الخليفة يأمره بإرسال موسى بن نصير إلى إفريقية ، وذلك سنة سبع وثمانين للهجرة ، فامتثل أمره في ذلك.
وقال الحميديّ في «جذوة المقتبس» : إن موسى بن نصير ولّي إفريقية والمغرب سنة سبع وسبعين فقدمها ومعه جماعة من الجند ، فبلغه أن بأطراف البلاد من هو خارج عن الطاعة ، فوجّه ولده عبد الله ، فأتاه بمائة ألف رأس من السبايا ، ثم ولده مروان إلى جهة أخرى ، فأتاه بمائة ألف رأس. وقال الليث بن سعد : بلغ الخمس ستين ألف رأس. وقال الصّدفي : لم يسمع في الإسلام بمثل سبايا موسى بن نصير. ووجد أكثر مدن إفريقية خالية لاختلاف أيدي البربر عليها ، وكانت البلاد في قحط شديد ، فأمر الناس بالصوم والصلاة وإصلاح ذات البين ، وخرج بهم إلى الصحراء ومعه سائر الحيوانات ، وفرّق بينها وبين أولادها ، فوقع البكاء والصّراخ والضجيج ، وأقام على ذلك إلى منتصف النهار ، ثم صلّى وخطب الناس ولم يذكر الوليد بن عبد الملك ، فقيل له : ألا تدعو لأمير المؤمنين؟ فقال : هذا مقام لا يدعى فيه لغير الله تعالى ، فسقوا حتى رووا. ثم خرج موسى غازيا ، وتتّبع البربر ، وقتل فيهم قتلا ذريعا ، وسبى سبيا عظيما ، وسار حتى انتهى إلى السّوس الأدنى لا يدافعه أحد. فلما رأى بقية البربر ما نزل بهم استأمنوا ، وبذلوا له الطاعة ، فقبل منهم ، وولّى عليهم واليا ، واستعمل على طنجة وأعمالها مولاه طارق بن زياد البربري ، ويقال : إنه من الصّدف ، وترك عنده تسعة عشر ألفا من البربر بالأسلحة والعدّة الكاملة ، وكانوا قد أسلموا وحسن إسلامهم ، وترك موسى عندهم خلقا يسيرا من العرب ليعلّموا البربر القرآن وفرائض الإسلام ، ورجع إلى إفريقية ، ولم يبق بالبلاد من ينازعه من البربر ولا من الروم. ولما استقرّت له القواعد كتب إلى طارق وهو بطنجة يأمره بغزو بلاد الأندلس فغزاها في اثني عشر ألفا من البربر خلا اثني عشر رجلا ، وصعد على الجبل المنسوب إليه يوم الاثنين خامس رجب سنة اثنتين وتسعين ، وذكر عن طارق أنه كان نائما في المركب وقت التعدية ، فرأى النبيّ ، صلّى الله عليه وسلّم ، وأمره بالرفق بالمسلمين والوفاء بالعهد ، هكذا ذكر ابن بشكوال. وقيل : إن موسى ندم على تأخّره ، وعلم أنّ طارقا إن فتح شيئا نسب الفتح إليه دونه ، فأخذ في جمع العساكر ، وولّى على القيروان ابنه عبد الله ، وتبع طارقا فلم يدركه إلّا بعد الفتح ، وقال بعض العلماء : إن موسى بن نصير كان عاقلا شجاعا كريما تقيّا لله تعالى ، ولم يهزم له قطّ جيش ، وكان والده نصير على جيوش معاوية ، ومنزلته لديه مكينة ، ولمّا خرج معاوية لصفّين لم يخرج معه ، فقال له : ما منعك من الخروج معي ولي عندك يد لم تكافئني