وكان بينه وبين الوزير عبد الملك بن جهور متولّي الأمر معه ، ومشاركه في التدبير إذا حضر مجتمعه ، منافسة ، لم تنفصل لهما بها مداخلة ولا ملابسة ، وكلاهما يتربّص بصاحبه دائرة السّوء ، ويغصّ به غصص الأفق بالنّوء ، فاجتاز يوما على ربضه ، ومال إلى زيارته ولم تكن من غرضه ، فلمّا استأمر عليه ، تأخّر خروج الإذن إليه ، فثنى عنانه حنقا من حجابه ، وضجرا من حجّابه ، وكتب إليه معرّضا ، وكان يلقّب بالحمار : [الطويل]
أتيناك لا عن حاجة عرضت لنا |
|
إليك ولا قلب إليك مشوق |
ولكنّنا زرنا بفضل حلومنا |
|
فكيف تلاقى برّنا بعقوق (١) |
فراجعه ابن جهور يغضّ منه ، بما كان يشيع عنه ، بأنّ جدّه أبا هشام ، كان بيطارا بالشام ، بقوله : [الطويل]
حجبناك لمّا زرتنا غير تائق |
|
بقلب عدوّ في ثياب صديق |
وما كان بيطار الشّآم بموضع |
|
يباشر فيه برّنا بخليق (٢) |
ومن شعره قوله يتغزل : [الوافر]
حلفت بمن رمى فأصاب قلبي |
|
وقلّبه على جمر الصّدود |
لقد أودى تذكّره بقلبي |
|
ولست أشكّ أنّ النّفس تودي |
فقيد وهو موجود بقلبي |
|
فوا عجبا لموجود فقيد |
وقد تقدّم الكلام على هدية ابن شهيد وبعض أخباره ، رحمة الله عليه!.
ولمّا توفي الناصر لدين الله تولّى الخلافة بعده وليّ عهده الحكم المستنصر بالله فجرى على رسمه ، ولم يفقد من ترتيبه إلّا شخصه ، وولي حجابته جعفر المصحفي (٣).
وأهدى له يوم ولايته هديّة كان فيها من الأصناف ما ذكره ابن حيّان في «المقتبس» وهي : مائة مملوك من الإفرنج ناشبة (٤) على خيول صافنة كاملو الشّكة والأسلحة من السيوف والرماح والدّرق والتّراس والقلانس الهندية ، وثلاثمائة ونيّف وعشرون درعا مختلفة الأجناس ، وثلاثمائة
__________________
(١) في ب :
ولكننا زرنا بفضل حلومنا |
|
حمارا تولّى برّنا بعقوق |
(٢) خليق : جدير ، حقيق.
(٣) وفي بعض النسخ جعفر الصقلبي وهو خطأ.
(٤) في ب : ناشئة.