أمير المؤمنين في ذلك اليوم وعليها برد زبيدي (١) كثيف الحاشية ، على جمل أرمك ـ الأرمك (٢) : الأشقر ـ وقد أحيط حولها ، وبيدها سوط منتشر الضفر ، وهي كالفحل يهدر في شقشقته (٣) تقول : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)(٤) إن الله قد أوضح الحق ، وأبان الدليل ، ونوّر السبيل ، ورفع العلم ، فلم يدعكم في عمياء مبهمة ولا شعواء (٥) مدلهمة ، فإلى أين تريدون رحمكم الله؟ أفرارا عن أمير المؤمنين ، أم رغبة عن الإسلام ، أم ارتدادا عن الحق؟ أما سمعتم الله يقول : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ)(٦) ثم رفعت رأسها إلى السماء وهي تقول : اللهمّ إنه قد عيل الصبر ، وضعف اليقين ، وانتشرت الرغبة ، وبيدك اللهم أزمة القلوب ، فاجمع اللهمّ الكلمة على التقوى ، وألّف القلوب على الهدى ، واردد الحق إلى أهله ، هلموا رحمكم الله إلى الإمام العادل ، إنها إحن (٧) بدرية ، وضغائن أحدية ، وأحقاد جاهلية ، وثب بها معاوية حين الغفلة ، ليدرك بثارات بني عبد شمس ثم قالت : (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ، إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ)(٨) صبرا معاشر المهاجرين والأنصار ، قاتلوا على بصيرة من ربّكم ، وثبات من دينكم ، فكأني بكم غدا قد لقيتم أهل الشام كحمر مستنفرة لا تدري ما يسلك بها من فجاج الأرض. باعوا الآخرة بالدنيا واشتروا الضلالة بالهدى ، وباعوا البصيرة بالعمى و (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ)(٩) حين تحل بهم الندامة ، فيصلبون (١٠) الإقالة ، (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ)(١١) إنه والله من ضلّ عن الحق وقع في الباطل ، ومن لم يكن الجنّة نزل النار ، أيها الناس ، إن الأكياس استقصروا عمر الدنيا فرفضوها ، واستطالوا مدة الآخرة فسعوا لها. والله أيها الناس
__________________
(١) زبيدي نسبة إلى زبيد ، بلد باليمن.
(٢) بالأصل : أريك الأريك ، ومثله في «ز» ، تصحيف ، والمثبت عن صبح الأعشى.
(٣) الشقشقة : لهاة البعير ، ولا تكون إلا للعربي من الإبل.
(٤) سورة الحج ، الآية الأولى.
(٥) بالأصل : سعواء ، والمثبت عن «ز».
(٦) سورة محمد ، الآية : ٣١.
(٧) بالأصل و «ز» : احق. والمثبت عن صبح الأعشى.
(٨) سورة التوبة ، الآية : ١٢.
(٩) سورة المؤمنون ، الآية : ٤٠.
(١٠) بالأصل و «ز» : فيطلبوا.
(١١) سورة ص ، الآية : ٣.