وانبعث صوتك ـ أيّها الفاتح العظيم ـ فاستوعب صداه جميع أنحاء العالم الإسلامي ، وهو ينادي بفجرٍ جديد ويومٍ جديد ، ليستأنف فيه الإنسان المسلم رسالته ، ويبدأ تأريخه ، ويبني كرامته ، ويعدل سلوكه ، وينفض عنه غبار الذلّ ، وعار العبودية ، وينطلق في ميادين التحرّر ؛ ليساهم في بناء الحضارة ويدخل موكب التاريخ.
لقد تحدّى أبو الأحرار بثورته الكبرى الطبيعة البشرية التي هي أسيرة الغرائز والعواطف ، فقد تحرّر منها ، ولم يعُد لها أيّ حُكم أو سلطان عليه ، وقد مكّنته قواه الروحية ـ في ذاتيّة مذهلة ـ أن يشقّ طريقه الخالد ليحقّق المعجز ، ويقول كلمة الله بإيمانٍ لا حدّ لأبعاده.
إنّه الإيمان الذي هيمن على جميع مناحي تفكيره ومقوّمات ذاتيّاته ، فهوّن عليه أهوال تلك الكوارث التي تذوب منها القلوب ، ويقف الفكر أمامها هائماً وهو حسير ... فقد رأى أصحابه الذين هم من أصدق وأنبل وأوفى مَن عرفهم التاريخ الإنساني ، يتسابقون إلى الموت بين يديه. رأى الكواكب من أهل بيته وأبنائه ، وهم في غضارة العمر وريعان الشباب ، تتناهب أشلاءهم السيوف والرماح.
رأى حرم الرسالة ومخدّرات النبوّة تعجّ من ألَم الرزايا ، وتستغيث به من أليم العطش والظمأ القاتل ، وهو لا يجد سبيلاً لإنقاذهن ، فوقف السّبط أمام هذه الخطوب التي تذهل كل كائن حي ، فقال كلمته الخالدة التي نمت عن