بالدلالة ، وعلى فرض وجود ما يحرز به الدلالة أيضا من القرائن ـ حاليّة أو مقاليّة ـ فهو أيضا في الغالب ظنّي خصوصا إذا كانت مقاليّة ، وكون الظنون الراجعة إلى الدلالة في الاعتبار كالعلم على معنى كونها معتبرة من باب الظنّ الخاصّ لعلّه مخصوص بمن له الخطاب أو من حضر مجلس الخطاب.
ومع الغضّ عن ذلك فالقرائن المحرزة للسند المفيدة للعلم بالصدور ـ على فرض وجودها ـ إنّما تكون غالبا من الامور الخارجة عن الخبر من غير مدخل لها في المتن ، ووجودها بالنسبة إلى أخبارنا الموجودة اليوم في غاية الندرة لو سلّمنا أصل الوجود.
واعتضاد الأخبار بعضها ببعض ، إن اريد به ما يبلغ حدّ التواتر لفظا أو معنى ، أو الاستفاضة الملزومة للعلم ولو بمعونة بعض القرائن الداخلة أو الخارجة ، فيتّفق ذلك نادرا فيما بين الأخبار الموجودة الآن ؛ ولو اريد به ما دون ذلك فإفادته القطع بالصدور بعيد ، خصوصا إذا حصل بين خبرين عارضهما ثالث كما هو الغالب.
نعم إنّما يوجب الاعتضاد حينئذ قوّة وترجيحا لو لم يزاحمه ما يوجب قوّة في المعارض ، كما يلاحظ ذلك كثيرا في الخبر الضعيف المنجبر بالعمل ، الموجب لطرح معارضاته ولو كانت أخبارا صحيحة.
وكون الراوي ثقة في نفسه أو في الرواية غير مستلزم للعلم بالصدق جزما بل هو أمارة غالبيّة للظنّ به.
بل الراوي الثقة كثيرا مّا لا يكون على قطع بالصدور في روايته ، لجواز أخذه لها ممّن يثق به تعبّدا أو ظنّا خاصّا أو مطلقا أو من غيره ظنّا مطلقا ، وفرض القطع له لا يستلزم حصول القطع لنا كما هو المقصود إذا كانت الشبهة ناشئة عمّا لا ينافي الوثاقة كالسهو والنسيان والذهول عن القرينة ، أو خفائها المحتملة في حقّ كلّ ثقة بلغ في الوثاقة ما بلغ.
واحتمال هذه الامور وإن كان لا يلتفت إليه في الغالب من جهة الأصل المعمول به عند العقلاء ، لكنّه حيثما كان قائما مناف للعلم والأصل لا يجدي في نفيه.
هذا كلّه على تقدير أن يحصل لنا العلم بوثاقته ، وإلاّ فالغالب ثبوتها بطريق الظنّ الاجتهادي ، وثبوتها في بعض الأحيان بامور تعبّدية من قول العدل ونحوه لا يستلزم كونه بطريق القطع ، فكيف يعقل حينئذ حصول القطع لنا بالصدور بمجرّد وثاقة الراوي ، مع كون النتيجة تتبع أخسّ المقدّمات ، والغالب في رواة أخبارنا ثبوت وثاقتها بالظنون المطلقة أو الامور التعبّديّة.