وللأخباريّة النافية للحاجة مطلقا شبهات كثيرة ممّا ذكروها أو يمكن أن يذكروها.
منها : إنّ علم الرجال علم منكر يجب التحرّز عنه لما فيه من تفضيح الناس وقد نهينا عن التجسّس عن معائبهم وامرنا بالغضّ والستر.
واجيب تارة : بالنقض بجرح الشهود وتعديلهم عند الحاكم والغيبة عند المشاورة المستثناة عن عموم التحريم.
واخرى : بمنع شمول الأدلّة الناهية عن التجسّس الآمرة بغضّ البصر وستر العيوب.
وثالثة : بما قرّر في محلّه من سقوط حرمة المقدّمة المنحصرة إذا توقّف عليها واجب أهمّ كإنقاذ الغريق مثلا عند كونه أجنبيّة ، أو توقّفه على غصب في الطريق أو الآلة أو غيرهما.
ورابعة : بانعقاد الإجماع والسيرة حتّى من الأخباريّة على الجواز في المقام ، إذ الكلام إنّما هو في وجوب معرفة الرجال ـ للافتقار إليه ـ وعدمه لا في أصل جوازه ، وهذا هو المعتمد فإنّ الإجماع على الجواز وكون ما ذكر كجرح الشهود وتعديلهم منقوله واقع في كلام بعض أساطين متأخّري الطائفة ، ومحصّله قائم كما يظهر للمتتبّع في سيرة العلماء كافّة قديما وحديثا خلفا عن سلف من الخاصّة والعامّة ، ويشهد به ملاحظة عملهم ووضعهم في ذلك فهارس ورسائل ومصنّفات متداولة بين قاطبتهم تداول سائر الكتب المعمولة في سائر الفنون المعهودة من غير نكير من المؤالف والمخالف ، حتّى أنّه كان متعارفا بين أصحاب الأئمّة وخواصّ الشيعة المعاصرين لهم عليهمالسلام مع اطّلاعهم عليه وتقريرهم أصحابهم على ما هم عليه من ذكر الرجال وجرحهم تارة وتعديلهم اخرى وتأمّلهم في ثالث ، بل لو تتبّعت الروايات لوجدت فيها ما يشهد بكون عمل الأئمّة أيضا على ذلك ، ولذا ورد فيها مدح جملة من الرواة أو توثيقه في بعضها وذمّ جملة اخرى أو جرحه في بعضها ، فأصحابنا رضوان الله عليهم من لدن أعصار الأئمّة عليهمالسلام كانوا لا يزالون يشدّدون الاهتمام في ضبط أحوال الرجال وأوصافهم ومدائحهم وذمومهم ، حتّى أنّهم كانوا يتعرّضون لضبط الأنساب والألقاب مثل كونه عربيّا صحيحا أو مولى ، وكونه كوفيّا أو قميّا أو نحو ذلك ليفيد في مقام تعارض الروايتين إحداهما ممّن لا نجابة له بحسب نسبه والاخرى ممّن له نجابة ليترجّح الثانية على الاولى ، أو إحداهما من العربي الصحيح والاخرى من المولى ليترجّح الثانية على الاولى من حيث إنّ العرب كان فيهم الحسد والحميّة والعصبيّة ، ولذا ترى أنّ أجلاّء الرواة بل أكثر رؤساء الدين بين المسلمين كانوا من الموالين لمكان الوثوق بهم وخلوّهم