المعارج والنهاية والتهذيب والذكرى والدروس وشرح الزبدة للمازندراني وربّما عزى إلى جمهور المحقّقين ـ أو تعيّن الرجوع إلى الأورع لقوّة الظنّ بصدقه في اجتهاده كما عن قوم ، أو التخيير بينهما كما عن طائفة ، أو التوقّف كما عن ظاهر المنية أقوال.
احتجّ أصحاب القول الأوّل : بأنّ القدر الّذي في الأعلم من العدالة والورع يحجزه عن الاقتحام والتهجّم على القبيح ، أعني الإفتاء من غير علم أو التقصير في الاجتهاد ، فيبقى زيادة العلم سالمة عن المعارض.
ونوقش فيه : بأنّ زيادة الورع إن لم يكن لها مدخليّة في تأكّد الظنّ وتقريب الفتوى إلى الواقع وجب الحكم بالتخيير فيما لو تساويا في العلم ، فلم أوجبوا فيه تقليد الأورع ، وإن كان لها مدخليّة في التأكّد والتقريب فلا تكون زيادة العلم سالمة عن المعارض.
أقول : ولا يبعد ترجيح الأعلميّة لأنّها أدخل في التقريب.
وربّما استدلّ أيضا بما في مقبولة عمر بن حنظلة ورواية داود بن الحصين من تأخّر الأورع من الأفقه في الذكر ، بتقريب : ظهور الترتيب الذكري في التقدّم الشرعي وتأخّره ، وفيه نظر من وجوه ، والأوجه ما ذكرناه.
هذا في الأعلم المقطوع أو المظنون بالظنّ الخاصّ ، وأمّا المظنون بالظنّ المطلق ففي تعيّن الرجوع إليه أيضا أو الرجوع إلى الأوّل المقطوع وجهان ، أقربهما الثاني ترجيحا للأقرب الأقوى المقطوع به على الأقرب الأقوى المظنون ، ويقتضيه إطلاقهم بوجوب الرجوع إلى الأورع في صورة عدم معارضة الأعلميّة.
الأمر الخامس
هل الترافع كالاستفتاء فلا يجوز الترافع إلى المفضول مع وجود الأفضل ويتعيّن الرجوع إلى الأفضل مطلقا أو يتخيّر في الترافع إليهما فيجوز الرجوع إلى المفضول أيضا مطلقا ، أو يفصّل بين ما لو كانت الواقعة من الشبهات الحكميّة فيجب الترافع إلى الأفضل أو من الشبهات الموضوعيّة فيجوز إلى المفضول أيضا ، أو بين أزمنة الغيبة فالأوّل وزمان الحضور فالثاني؟
وجوه ربّما يسبق إلى الوهم كون مقتضى الأصل الأوّلي هو تعيّن الترافع إلى الأفضل مطلقا ، لأنّ الأصل عدم نفوذ حكم إنسان على غيره إلاّ ما علم خروجه بالدليل ، والقدر المعلوم خروجه مع تعدّد المجتهدين وتفاوتهم في الفضل والمعرفة هو حكم الأفضل وبقي الباقي ومنه حكم المفضول ، مضافا إلى اصول اخر كأصالة عدم سقوط الدعوى بحكم المفضول ،