وبالجملة كون وثاقة الراوي على تقدير العلم بها لو اتّفق نادرا بمجرّده من أسباب العلم بالصدور غير مسلّم ، بل لا نظنّ عاقلا يتفوّه به.
نعم لو كان الغرض من الوجه الأوّل أخذ المجموع من القرائن الحاليّة أو المقاليّة واعتضاد البعض ببعض ووثاقة الراوي من الأسباب المفيدة للعلم بالصدور فهو ليس بذلك البعيد ، غير أنّه فرض نادر يتّفق في أخبارنا قليلا ، ولا ينكره أهل القول بانسداد باب العلم في معظم الأحكام.
وأمّا عن الوجه الثاني : فبأكثر ما عرفت في جواب الوجه الأوّل ، وكون العالم الثقة مؤلّفا كتابه لرجوع الشيعة ولهداية الناس لا يستلزم علمه بصدور جميع ما فيه من الروايات ، لجواز اعتقاده فيه بكون ما فيه قطعيّ العمل ، ومعلوم أنّ العمل أعمّ من العلم بالصدور ، ولعلّه أخذ روايات كتابه ممّن يرى الأخذ منه تعبّدا أو ظنّا خاصّا ، أو مطلقا وهو يرى الظنّ المطلق حجّة مطلقا أو إذا تعلّق بالصدور.
وعلى [ فرض ] كونه قاطعا بالصدور فهو لا يستلزم قطع غيره به ممّن يرجع إلى كتابه ويأخذ برواياته ، لجواز تطرّق الدسّ أو الغلط أو السهو أو النسيان أو غيره إلى ما في كتابه ممّن سبقه أو عاصره أو لحقه ، من المعاندين أو الناسخين أو العاملين أو القاصرين من الأطفال وغيرهم ، مع أنّ القدر المعلوم في الغالب من المؤلّفين إذا لم يكونوا هم المشافهون ـ كما هو الغالب في الكتب الموجودة الآن ـ هو الاعتقاد بالصحّة ، وهو أعمّ من العلم بالصدور ، ولا سيّما الصحّة باصطلاح القدماء من المحدّثين ، ولا بعد في كونه أصل رجل أو روايته عن ظنّ إذا كان ممّن يرى جواز العمل بالظنّ مطلقا أو في المقام خاصّة ، ومع قيام هذا الاحتمال كيف يحصل العلم لغيره بالصدور بتأليفه؟
وأمّا عن الوجه الثالث : فيظهر أيضا بملاحظة ما ذكر ، فإنّ التمسّك بأحاديث الأصل من مؤلّفه أو غيره ممّن اعتمد عليه كثيرا مّا يكون لاعتقاد الصحّة أو من جهة التعبّد لدليل دلّ عليه وهو أعمّ من العلم بالصدور ، وقد عرفت أنّ علمه بالصدور لا يجدينا في العلم بالصدور ، فكيف مع اعتقاده بالصحّة أو تعيّن العمل به تعبّدا ولو من جهة الاجتزاء بالظنّ المطلق بالصدور ، كما هو احتمال قائم في كلّ مقام.
وأمّا عن الوجه الرابع ، فأوّلا : بأنّ الإجماع المذكور على تقدير العلم به لا يراد منه الإجماع المصطلح الكاشف عن قول الحجّة جزما ، فهو لمن حصّله وعلم به لا يفيد العلم