باحتمال تغيّر الاجتهاد بعد تجديد النظر فنقض بقيام هذا الاحتمال قبل إفتائه في الواقعة الاولى أيضا ، فلو صحّ ما ذكر لزم تكرار النظر بالنسبة إليها أيضا وهو باطل كما في كلام بعض الأفاضل (١) وعن العضدي أيضا حكاه السيّد في مفاتيحه.
ثمّ قال : « وقد أشار إلى هذا الجواب في النهاية وشرح الجواد على الزبدة » بل الفاضل المتقدّم استظهر من ملاحظة كلماتهم الاتّفاق على بطلان اللازم بعد ما نسب التنصيص عليه إلى العضدي ، وعبارته ـ على ما حكاها السيّد في المفاتيح عند نقله الجواب عن الاستدلال المذكور عنه ـ : « أنّه لو كان السبب في وجوب تكراره احتمال تغيّر الاجتهاد لوجب أبدا ، لأنّ التغيّر يحتمل أبدا ولم يتقيّد بوقت تكرار الواقعة وذلك باطل بالاتّفاق » انتهى.
وكيف كان فالأقوى بل الحقّ الّذي لا محيص عنه هو عدم وجوب تجديد النظر مطلقا.
لنا : أنّ وجوب التجديد إن اريد به الوجوب التكليفي النفسي الّذي يعاقب على مخالفته من حيث هو مخالفته فالأصل براءة الذمّة عنه وعن العقاب المحتمل ترتّبه على تركه ، لعدم قيام دليل عليه من عقل أو نقل ، وما اعتمد عليه الخصم ـ إن صحّحناه ـ لا يفيد ذلك كما عرفت.
وإن اريد به الوجوب التكليفي الغيري على معنى مطلوبيّة تجديد النظر حتما على أنّه مقدّمة لتحصيل ما يوجب العمل به وتطبيق الحركات والسكنات الخارجيّة عليه للخروج عن عهدة الأحكام الواقعيّة المعلومة بالإجمال إمّا لاتّفاق امتثالها أو لحصول المسقط لها ، بناء على أنّ موافقة الحكم الظاهري إمّا امتثال للحكم الواقعي في صورة المطابقة أو مسقطة له عن الذمّة على تقدير عدم المطابقة لمن لم ينكشف عنده ذلك.
ففيه : منع مقدميّة تجديد النظر وتكرير الاجتهاد لتحصيل الحكم الظاهري ، بل المسلّم ممّا ثبت كونه مقدّمة بالعقل بل الإجماع إنّما هو الاجتهاد الأوّل وإلاّ لم يكن الحكم الثابت به حكما ظاهريّا والتالي باطل ، ولذا كان العمل عليه والإفتاء به جائزا.
ودعوى اختصاصه بالواقعة الاولى وعدم تناوله للوقائع المتجدّدة.
يدفعها : أنّ مدرك المسألة من الدليل أو الأصل إنّما أفاد أصل الحكم لكلّي موضوعها ، الّذي يتساوى نسبته إلى جزئيّاته الّتي هي الوقائع من دون اختصاص له بواقعة دون اخرى ، لا بطريق التخصيص ولا بطريق التخصّص.
والمفروض أنّ دليل حجّية ذلك الدليل أو اعتبار هذا الأصل من العقل والنقل بل
__________________
(١) هداية المسترشدين ٣ : ٧٠١.