يعلم أنّ التعادل لو وقع للحاكم والقاضي في حكومته وقضائه يتخيّر أحدهما فيحكم به كما عن جماعة ، لأنّ الحكم والقضاء عمل له لا للغير فلا معنى هنا لإفتاء المتخاصمين بالتخيير ، وعن بعض تعليل المنع بأنّ تخيير المتخاصمين لا يرتفع معه الخصومة.
المقام الثالث
في التراجيح
والترجيح عبارة عن تقديم إحدى الأمارتين لمزيّة لها على الاخرى ، وفي اعتبار عدم بلوغها حدّ الحجّية ـ على معنى كونها بنفسها حجّة مستقلّة كموافقة الكتاب الّذي بنفسه حجّة مستقلّة ـ وعدمه وجهان ، من عدم مساعدة الترجيح المصطلح عليه كما قيل ، ومن عدّهم موافقة الكتاب ونحوها من المرجّحات حتّى أنّه ورد ذكره في النصوص.
وليعلم أنّ كون الشيء مرجّحا الّذي مرجعه إلى تعيّن العمل بذي المزيّة من المتعارضين ـ ككون الشيء دليلا ـ حكم مخالف للأصل فيحتاج إلى دليل ، لكون الأصل الأوّلي مع قطع النظر عن عموم أدلّة حجّية الأمارات الغير العلميّة هو التساقط ثمّ بعده الأصل الثانوي ـ بناء على الجعل الطريقي في الأمارات مع إناطة الحجّية بالظنّ النوعي ـ هو التوقّف ، ثمّ بعده الأصل الثالث من جهة الأخبار الآمرة بالتخيير هو التخيير ، وظاهر أنّ المرجّحية بالمعنى المذكور تخالف الجميع ، ولعلّه لذا اختلف في وجوب الترجيح ولزوم العمل بذي المزيّة وعدمه ، فالمشهور المحكيّ في النهاية عن المحقّقين هو الأوّل ، وعن جماعة من العامّة الثاني فقالوا : إنّ حكمه التخيير كما عن القاضي والجبائيّين ، أو التساقط كما عن بعض الفقهاء.
وعن شارح الوافية السيّد صدر الدين أيضا إنكار وجوب الترجيح مع كونه أفضل ، حيث إنّه بعد ما ذكر أنّ الجمع بين الأخبار العلاجيّة المعارض بعضها لبعض غير ممكن ، جعل الأصل التخيير والترجيح بما ذكر في الأخبار راجحا بل مستحبّا.
وربّما يظهر احتمالا اختيار عدم الوجوب من الكليني في ديباجة الكافي ـ على ما حكي ـ حيث إنّه بعد ما ذكر أنّ المرجّحات الّتي ذكرها العالم عليهالسلام للعمل بالروايات لا تفي إلاّ بأقلّ قليل من الأخبار ، قال : « ولا نجد أحوط وأوسع ممّا رخّص لنا العالم من الأخذ بأيّهما شئنا من المتعارضين ».
ووجه الاحتمال رجوع التخيير الّذي جعله من الأوسع إلى ما يعمّ الأخبار الخالية عن