وأمّا معرفة فروع الفقه ، فلا يتوقّف عليها أصل الاجتهاد *. ولكنها قد صارت في هذا الزمان طريقا يحصل به الدربة فيه وتعين على التوصّل إليه.
لم يأمن أن يكون قد صدّق الكاذب ، فلا يصحّ أن يعلم ما جاء به الرسول ، فإذا لابدّ من أن يكون عالما بجميع ذلك ، ولابدّ أن يكون عالما بالنبيّ الّذي جاء بتلك الشريعة ، لأنّه متى لم يعرف لم يصحّ أن يعرف ما جاء به من الشرع.
ولابدّ أن يعرف أيضا صفات النبيّ وما يجوز عليه وما لا يجوز عليه ، لأنّه متى لم يعرف جميع ذلك لم يؤمن أن يكون غير صادق فيما يؤدّيه ، أو يكون ما (١) أدّى جميع ما بعث به ، أو يكون أدّاه على وجه لا يصحّ له معرفته ، فإذا لابدّ من أن يعرف جميع ذلك » انتهى (٢).
والظاهر أنّ معرفة الوصيّ أيضا لها مدخليّة ، لأنّه متى لم يعرفه أو لم [ يعرف ] صفاته لم يعرف كون مضامين الأخبار الصادرة منه أو المنسوبة إليه أحكاما شرعيّة أو ممّا جاء به النبيّ ، والمفروض أنّ الاجتهاد لا يتمّ إلاّ مع انضمام الأخبار الإماميّة إلى سائر طرقها ومداركها عند الفرقة المحقّة.
وكأنّ الشيخ إنّما أهمل ذكر ذلك على الانفراد لأنّ المراد بالاجتهاد المتوقّف على هذا الشرط ما يعمّ الاجتهاد بطريقة أهل الخلاف ، أو لأنّ المراد ممّا جاء به النبيّ الّذي يجب معرفته بمعرفة النبيّ ما يعمّ التنصيص بالخلافة.
* قال في الفوائد : « ومن الشرائط معرفة فقه الفقهاء وكتب استدلالهم ، وكونه شرطا غير خفيّ على من له أدنى فطانة ، إذ لو لم يطّلع عليها رأسا لا يمكنه الاجتهاد والفتوى ».
والأظهر ما عليه المصنّف وفاقا للقواعد والتحرير والمنية والدروس ـ على ما حكي عنهم ـ فإنّ المعرفة بفروع الفقه بل المسائل الفقهيّة المبحوث عنها في الفقه ليس لها بنفسها كثير دخل في الاجتهاد سواء اخذ باعتبار الملكة أو الفعل.
وعلّله في المنية : « بأنّ هذه الفروع استخرجها المجتهدون بعد تحقّق كونهم مجتهدين فكيف يكون شرطا في الاجتهاد مع تأخّرها عنه » انتهى.
نعم هو لازم عادي لما له مدخليّة تامّة فيه ، وهو الانس بطريقة الفقهاء في الدخول والخروج والخبرة بمذاقهم في كيفيّة الاستدلال وتقريبه وجرح الأقوال وتعديلها كما يرشد إليه بداهة الوجدان المغني عن مؤنة البرهان ، وبه صرّح في الزبدة قائلا : « ولابدّ من الانس
__________________
(١) « ما » نافية.
(٢) العدّة ٢ : ٧٢٧.