ضروريّا من الدين أو المذهب ـ فالمخطئ فيها عن نظر واجتهاد قد يتكلّم في حكمه من حيث الكفر وعدمه ، وقد يتكلّم فيه من حيث [ الإصابة ] وعدمه.
وأمّا الكلام في الإصابة والخطأ فهو مستغنى عنه ، لأنّ الواقع في غير الامور الجعليّة ممّا لا يقبل التعدّد ولا الاختلاف ، فلئلاّ يلزم اجتماع النقيضين ولا الضدّين لابدّ وأن يكون المصيب من المختلفين في المسائل المذكورة واحدا وغيره مخطئا. وأمّا كفر المخطئ فينبغي القطع بعدمه ، لما أشرنا إليه من أنّ إنكار الحقّ في أمثال هذه المسائل لا يوجب بالذات كفر منكره ، ولا يخرج بإنكاره من حيث هو عن ربقة المسلمين ، وأمّا الإثم وعدمه فيدوران على التقصير في النظر والاجتهاد وعدمه ، فالحكم الكبروي بعد تحقّق موضوعه من التقصير والقصور واضح لا ينبغي التأمّل فيه ، فالمقصّر آثم لا محالة كما أنّ القاصر لا إثم عليه بالضرورة ، وإنّما يتحقّق القصور هنا كثيرا من تعارض أدلّة أكثر هذه المسائل وظنّيتها ، ومن شأن الأدلّة المتعارضة والأدلّة الظنّية بعثها على خطاء الناظر فيها كثيرا.
وأمّا التكلّم في تقصير المخطئ فيها كلّيا أو قصوره كذلك ، أو التقصير في الجملة والقصور كذلك الّذي هو كلام في الصغرى فممّا لم يحم حوله أحد.
والّذي يظهر من طريقة الأصحاب إمساكهم عن الحكم بالإثم لمجرّد ذلك مع قطع النظر عن موجباته الاخر ، كيف ولزم منه إثبات التقصير على فحول علمائنا الصالحين وأعيان فضلاء مجتهدينا الماضين المختلفين في كثير من تفاصيل المعارف ، وهو في معنى تفسيقهم بل تكفيرهم في بعض الأحيان ، وهو كما ترى ممّا لم يعهد الجرءة عليه من أحد.
ألا ترى أنّه قد وقع بين الشيخ المفيد وعلم الهدى قدسسرهما من الاختلاف في العقائد ما يقرب من مائتين على ما ضبطوه ، وظاهر أنّ المحقّ منهما في الجميع أحدهما ولم يحكم أحد بفسق واحد منهما.
المسألة الثانية
في التخطئة والتصويب في العقليّات الاصوليّة أعني مسائل اصول الفقه ، وحيث إنّها أيضا من الامور الواقعيّة الغير المنوطة بالجعل فالواقع فيها أيضا ممّا لا يتحمّل التعدّد ولا الاختلاف ، ولا يتكثّر على حسب كثرة الآراء والاعتقادات ، فمن أدركه في المسائل الخلافيّة فهو مصيب وغيره مخطئ ، لا أنّ الجميع مصيب دفعا لاجتماع المتناقضين أو المتضادّين.