بالأحدث لترجيحه على معارضه بمرجّح منصوص لا غير.
نعم يمكن إثبات تعيّن الأخذ به من جهة الترجيح بالأحدثيّة بطريق آخر ، وهو التزام كون الصادر على جهة بيان الواقع من المعصوم إنّما هو الخبر الأحدث حتّى بالنسبة إلى مخاطبه ، وأنّ الخبر المتقدّم إنّما صدر على جهة التقيّة لا غير ، وذلك لأنّ المصلحة في زمان الصدور في حقّ بعض الأشخاص قد تقتضي أن يأمره المعصوم أوّلا بالعمل بما وافق العامّة في السرّ والعلانيّة ليعرف عندهم بذلك كونه منهم ، ويطمئنّوا منه بذلك حتّى لا يفتّشوا فيما بعد عن أحواله ، ولم يتعرّضوا له باختباره في عمله في خلواته ، ثمّ يبيّن له فيما بعد ذلك الحكم الواقعي ويأمره بالتعبّد به سرّا وفي خلواته وبكتمانه عن المعاندين ، كما يشهد بذلك قصّة داود بن زربي (١) مع أبي جعفر منصور الدوانيقي المرويّة في باب كون الوضوء مثنى مثنى لا ثلاثا ثلاثا إلاّ في مقام التقيّة ، حيث أمره أبو عبد الله عليهالسلام أوّلا بما وافق طريقة العامّة حقنا لدمه وصونا له عمّا أضمره منصور من قتله لما بلغه من كونه من الرفضة ثمّ بيّن له الواقع وأمره به.
فلم لا يجوز أن يكون مورد الروايتين ونظائرهما من هذا الباب ، بل لا بدّ من الإذعان به لشهادة قوله في خبر الكناني : « أبى الله إلاّ أن يعبد سرّا » فإنّه إرشاد للراوي إلى طريقة العمل بالواقع المخالف لمذهب العامّة في زمان التقيّة ، وأمر بالتعبّد به سرّا لا علانية ، وهذا أيضا ضرب من التقيّة لأنّها قد تتأتّى بإظهار الموافقة لهم وقد تتأتّى بكتمان المخالفة لهم ، وعليه ينطبق قوله عليهالسلام : « أبى الله لنا في دينه إلاّ التقيّة » بعد ما أمره بالتعبّد بالخبر الأحدث سرّا ، ومرجعه إلى الأمر بكتمان العمل به ، فليتدبّر.
فإنّا لم نجد تحرير المقام في كلام الأعلام ، وكأنّه للغفلة عمّا ذكرناه لم يتعرّض معظم الاصوليّين من أصحابنا لذكر هذا المرجّح أصلا كما نبّه عليه بعض الفضلاء.
المطلب الثاني
في أنّه إذا ثبت وجوب الترجيح وعلم المرجّحات المنصوصة الّتي هي صفات الراوي ثمّ الشهرة ثمّ موافقة الكتاب والسنّة ثمّ مخالفة العامّة ثمّ مخالفة أميل حكّامهم ، فهل يجوز التعدّي منها إلى غيرها من المزايا الغير المنصوصة ـ وهي الّتي لم يصرّح بها في النصوص بالخصوص ، كما عليه جمهور المجتهدين لإجماعهم خلفا عن سلف على عدم الاقتصار ،
__________________
(١) الوسائل ١ : ٤٤٣ الباب ٣١ من أبواب الوضوء ح ٢.