والتحقيق عندي في هذا المقام : أنّ فرض الاقتدار على استنباط بعض المسائل دون بعض ، على وجه يساوي استنباط المجتهد المطلق لها ، غير ممتنع * ولكن التمسّك في جواز الاعتماد على هذا الاستنباط بالمساواة فيه للمجتهد المطلق **
__________________
* لوضوح أنّ هذا الاقتدار هيئة في النفس تنشأ من ممارسة مسائل الفنّ واستحضار مبادئها ـ تصوّريّة وتصديقيّة ـ وغيرها ممّا يتعلّق بها من الأدلّة ، والتمكّن من معرفة وجوه دلالات الأدلّة ودفع معارضة معارضاتها وإعمال مبادئها حين النظر ، ومعلوم أنّه ليس كلّ مسألة بحيث يحتاج فيها إلى إجراء جميع الأدلّة وإعمال كلّ المبادئ من مسائل جميع العلوم عربيّة واصوليّة ورجاليّة وغيرها فيها.
فمن الجائز أن يكون الممارسة مقصورة على بعض أبواب الفقه بل على صنف خاصّ من مسائل هذا الباب ، فإذا ابتلى العالم الممارس في هذا المقدار بمسألة أو عدّة مسائل منه وعرف مع ذلك جميع ما يتعلّق به من الأدلّة ومسائل كلّ علم ممّا ذكر وغيره على قدر ما يحتاج إليها فيه ، وتمكّن من إعمال ما عرفه من مسائل كلّ علم في موضع حاجته وصنع ما لزمه للنظر وراعى جميع ما له دخل في حصول المعرفة حسبما يصنعه المطلق يحصل له الظنّ حسبما طلبه على نحو ما يتّفق حصوله للمطلق.
وبالجملة هذا كلّه واضح وإنكاره دفع للضرورة فلا يلتفت إليه.
** هذا تعرّض لحكم المتجزّي بالقياس إلى مقام اعتبار اجتهاده وحجّية ظنّه ، وينبغي قبل الخوض في الترجيح والاستدلال التنبيه على امور من باب المبادئ.
الأمر الأوّل : في أنّه في وجوب عمل المتجزّي بظنّه تعيينا أو رجوعه إلى التقليد كذلك ، أو أخذه بالاحتياط كذلك ، أو جواز الأوّلين أو الأخيرين أو الأوّل والأخير أو الجميع تخييرا ، أو تعيّن العمل بالظنّ إن كان مسبوقا بالاجتهاد المطلق ، وتعيّن التقليد إن كان مسبوقا بالتقليد ، وتعيّن الاحتياط أو التخيير بينه وبين العمل بالظنّ أو التقليد أو بينه وبينهما إن لم يكن مسبوقا بشيء من الأمرين ، وجوه جارية في حقّه ابتداء وفي بدو النظر.
لكن ما عدا الأوّلين هاهنا ساقط عمّا بين العلماء لعدم قائل من العامّة والخاصّة ، وعدم وجود قول محقّق بشيء من المذكورات عدا ما رجّحه ببعض الفضلاء من التفصيل بين سبق التقليد أو الإطلاق فيأخذ بمقتضى الاستصحاب فيهما ، وعدم سبق شيء منهما فيبنى