قوله : « ما خالف العامّة ففيه الرشاد » أمر بالأخذ بما خالف العامّة تعليلا بأنّ فيه الرشاد ، وفيه أيضا شاهد بأنّ المناط في مقام الترجيح الأخذ بما هو أصوب وأقرب إلى الواقع ، لأنّ الرشاد هو الصواب فدلّ على أنّ الواجب هو الأخذ بكلّ ما أوجب في الخبر كونه رشادا وصوابا.
وعن المحدّث الكاشاني أنّه أورد في المقام في تقديمهم ما خالف العامّة بأنّ ذلك أخذ بمرجّح وطرح لمرجّح آخر وهو موافقة الكتاب ، لأنّ أحد الخبرين المخالف للعامّة مخالف للعامّ الكتابي فالأخذ به وطرح الآخر أخذ بما خالف الكتاب وطرح لما وافقه.
ولكن يدفعه أوّلا : أنّ الخبر المخالف للعامّة كما أنّه مخالف لعامّ كتابي كذلك موافق لعامّ كتابي آخر ، فالأخذ به أخذ بما وافق الكتاب أيضا ، فهو جمع بين مرجّحين ، لا أنّه أخذ بمرجّح وطرح بمرجّح آخر كما لا يخفى.
وثانيا : أنّ تخصيص العامّ الكتابي بخبر الواحد جائز فلابدّ من تخصيص أحد العامّين ، والمانع من أخذ أحد الخبرين مخصّصا له دون آخر في محلّ التعارض إنّما هو الاشتغال بالتعارض ، وإذا ارتفع هذا المانع بتقديم ما خالف العامّة بقي [ الآخر ] سليما عن المعارض فيخصّص به العامّ المخالف له ، وهو الّذي دلّ بعمومه على الصحّة في بيع المكره مثلا أو الفساد في الفضولي في المثال المفروض ، فلا مخالفة فيه بعد إعمال التخصيص للكتاب ، فلا يبقى للكتاب مقتضى يوافقه ما يوافق العامّة حتّى يلزم من تقديم مخالفة العامّة طرح موافقة الكتاب.
وبالجملة الأمر دائر بين طرح مرجّح رأسا وهو مخالفة العامّة والأخذ بذلك المرجّح الموجب لانتفاء موضوع مرجّح آخر ، ولا ريب أنّه لا يلزم من ذلك طرح ذلك المرجّح الآخر لكون السالبة بانتفاء الموضوع ، نظير تقديم الخاصّ على العامّ والدليل الاجتهادي على الأصل ، فإنّه لو قدّمنا العامّ أو الأصل لزم طرح الخاصّ والدليل الاجتهادي المفروض وجود مقتضى الحجّية فيهما ، بخلاف ما لو قدّمنا الخاصّ والدليل الاجتهادي فلا يلزم طرح ، إذ بتقديمهما ينتفي المقتضي لحجّية العامّ وموضوع الأصل.
أمّا الأوّل : فلأنّ حجّية العامّ إنّما هو من جهة أصالة الحقيقة المبنيّة على فقد القرينة ، والخاصّ يصلح قرينة ، فيبقى العمل بالعامّ بلا مقتضى له.
وأمّا الثاني : فلأنّ موضوع الأصل إنّما هو الشكّ أو أنّ العمل به منوط بفقد الدليل