ولا ريب أنّ إطلاق الموافقة والمخالفة على مثل ذلك مسامحة في التعبير وإطلاق مجازي ، إذ مع تعدّد الموضوع بكونه ما لم يعلم حكمه بالخصوص في الكتاب والسنّة والواقعة الخاصّة من حيث هي في الخبرين وتغاير الحكم من حيث الظاهريّة والواقعيّة لا موافقة ولا مخالفة حقيقيّة ، فهذا القسم لا يندرج في إطلاق قوله : « فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة فيؤخذ به ، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنّة » مع أنّ هذا يرجع إلى موافقة الأصل ومخالفته ويدخل في عنوان المقرّر والناقل ، وللكلام في كون موافقة الأصل مرجّحة وعدمها وفي تقديم المقرّر أو الناقل محلّ آخر يأتي.
وينبغي القطع أيضا بخروج القسم الأوّل عن عنوان الترجيح بموافقة الكتاب والسنّة ، وعن إطلاق قوله : « فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة » إلى آخره ، وإن كانت المخالفة في الخبر المخالف حقيقيّة ، لأنّه ـ مع عدم وجود مثال له ـ بمخالفته الكلّيّة خرج عن الحجّية وسقط عن الاعتبار ، إذ على تقدير بناء العمل عليه لا جهة لصحّته إلاّ النسخ وهو على ما حقّق في محلّه غير سائغ ، لكونه من نسخ الكتاب والسنّة القطعيّة بخبر الواحد ، مع أنّه من الأخبار الإماميّة ـ كما هو مورد المقبولة ـ وهو جهة اخرى لمنع كونه ناسخا لحكم الكتاب والسنّة النبويّة.
وبهذا كلّه يخرج المقام عن عنوان تعارض الدليلين ، فانحصر مورد الترجيح بالموافقة والمخالفة للكتاب والسنّة في القسم الثاني ، وهو الظاهر أيضا من إطلاق قوله : « فما وافق وما خالف ».
ثمّ إنّ الخبرين المشهورين قد يتساويان ويتشاركان في الموافقة أو المخالفة للكتاب والسنّة ، بأن يكونا معا موافقين لهما أو مخالفين لهما ومع ذلك كان أحدهما مخالفا للعامّة والآخر موافقا لهم ، فتعرّض الراوي للسؤال عن حكمه إلاّ أنّه خصّ صورة موافقتهما الكتاب والسنّة بالذكر ، حيث قال : « قلت : جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنّة ، ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامّة والآخر مخالفا لهم ، بأيّ الخبرين يؤخذ؟ » ومثاله : ما لو ورد خبران في بيع المكره أو البيع الفضولي أحدهما دالّ على الصحّة وهو موافق لقوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) و ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) والآخر على البطلان وهو موافق لقوله تعالى : ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) وكان بناء العامّة على الصحّة أو البطلان.