السنّة النبويّة القطعيّة قولا أو فعلا أو تقريرا ، مع أنّ كون كلّ منهما دليلا مستقلاّ وحجّة برأسها ممّا يقتضي كون موافقة كلّ بانفراده مرجّحا بل بطريق أولى ، فلاجهة لجعل المجموع مرجّحا إلاّ إرادة المثال.
ثمّ الموافقة للكتاب والسنّة قد تكون حقيقيّة ، وقد تكون حكميّة ، والحقيقيّة قد تكون كلّية ويعبّر عنها بالتبائن الكلّي ، وقد تكون جزئيّة ويعبّر عنها بالتبائن الجزئي.
أمّا الاولى : فهي أن يكون الخبر الموافق متّحد الحكم مع الكتاب والسنّة مع كونه متّحد الموضوع معهما ، بأن يكون موضوعه عين موضوعهما.
وأمّا الثانية : فهي أن يكون متّحد الحكم معهما مع كونه متّحد الموضوع معهما باعتبار اندراج موضوعه في موضوعهما.
وأمّا الثالثة : فهي أن لا يتّحد الخبر الموافق معهما موضوعا ولا حكما ، بل كان بينه وبينهما مناسبة مّا من حيث عدم الحرج على الترك أو الفعل.
ويعلم جريان هذه الأقسام في المخالفة للكتاب والسنّة بالمقايسة ، فقد تكون حقيقيّة كلّيّة ، وقد تكون حقيقيّة جزئيّة ، وقد تكون حكميّة.
أمّا القسم : الأوّل فلم نجد له مثالا ، إذ لم يوجد في الأخبار ما خالف الكتاب والسنّة بالتباين الكلّي وكان مع ذلك مشهورا مجمعا عليه.
وأمّا القسم الثاني : فهو ما اختلف حكمه مع حكم الكتاب والسنّة مع اتّحاد موضوعه لموضوعهما باعتبار اندراجه فيه ، ومثاله : الخبر الدالّ على نجاسة الحديد مثلا مع الخبر الدالّ على طهارته قبالا لقوله تعالى : و ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) ، فإنّ مخالفة الأوّل وموافقة الثاني له حقيقيّة مع كونها جزئيّة باعتبار كون الحديد مندرجا فيما خلق في الأرض.
ومثال الثالث : الخبر الدالّ على وجوب غسل الجمعة أو على حرمة شرب التتن مع الخبر الدالّ على الاستحباب أو على الإباحة قبالا لما دلّ من عموم الكتاب كقوله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها ) أو السنّة كقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « رفع عن امّتي تسعة ـ منها : ما لا يعلمون » على أنّ كلّما لم يعلم حكمه بالخصوص يبنى فيه على البراءة وعدم التكليف ، فإنّ موضوعه ما لم يعلم حكمه بالخصوص وحكمه الإباحة من حيث إنّها حكم ظاهري مجعول للمكلّف الجاهل ، وموضوع الخبرين الواقعة من حيث هي ، والحكم المستفاد من كلّ منهما حكم واقعي مجعول للمكلّف العالم.